لا “أوروبا ثانية” لإنقاذ إيران!

حسناء بو حرفوش

مع عودة القوى العالمية إلى طاولة المفاوضات النووية، مَن الذي سيدفع باتجاه المصلحة الإيرانية؟ هل من “أوروبا ثانية” كما يروّج بعض المحليين الإيرانيين منذ مدّة؟ الإجابة في مقال على موقع “ذا ميديا لاين” (The Media Line)، الذي لا يتوقّع دعماً “غربياً كبيراً لطهران، هذا إن وجد أصلاً، حسب عدد من الخبراء”.

ووفق كامبيز فروهار، كبير الاستراتيجيين السياسيين السابقين في “Medley Global Advisors”، “كان الأوروبيون ينظرون إلى حد كبير للاتفاق النووي كصفقة حصلت بحُسن نية من إدارة باراك أوباما وآخرين. لكن الولايات المتحدة انسحبت منها بعد ذلك، فشعرت أوروبا بأنّ واشنطن هي التي انتهكت بنود الاتفاق، خصوصاً أنّ الدول الأوروبية لا تجد أي فائدة في أي من الصراعات التي حصلت في أفغانستان وفي غزو العراق، وما حصل في ليبيا وسوريا. وبالتالي، القضية بسيطة نسبياً بالنسبة إلى معظم أوروبا: لا تقف الدول الأوروبية بالضرورة إلى جانب إيران في المفاوضات، لكنها تفضّل الديبلوماسية على الحرب”.

(…) ومنذ بداية حكومة الرئيس الإيراني المتشدّد إبراهيم رئيسي، طرحت العديد من وسائل الإعلام الإيرانية المؤثرة الفكرة القديمة الجديدة حول “أوروبا الثانية” كركيزة لسياسة إيران الأوروبية، إذ يمكن لإيران أن تستفيد من حالة الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي والانقسامات الداخلية حول سياسة أوروبا تجاه إيران، من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول الأوروبية الرئيسية خارج ترويكا فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. وتشمل الدول المستهدفة في هذا السياق النمسا وبلجيكا وإيطاليا والنروج وإسبانيا والسويد وسويسرا، والتي يمكن أن تتقاطع مصالحها، برأي مصمّمي السياسة، مع مصالح إيران. لكن إيران لم تتلقَّ سوى القليل من المساعدة من تلك الدول، حتى في المساعدات الإنسانية أثناء تفشّي جائحة كورونا.

وتتّخذ بعض الدول مثل الدنمارك والسويد وبلجيكا موقفاً صارماً تجاه إيران، إذ سجّلت لديها جميعاً حالات إرهاب نسبت حديثاً لأيدٍ إيرانية على أراضيها. وفي بلجيكا، أدين ديبلوماسي إيراني بمؤامرة إرهابية (…) كما أظهرت بولندا موقفاً عدائيا بدرجة أكبر بكثير. ومع ذلك، أعلنت حكومات أخرى مثل صربيا علناً وببعض الفخر حتى، رغبتها في تمكين العلاقات مع طهران. وشدّد سفير صربيا لدى إيران دراغان تودوروفيتش، الشهر الماضي، على العلاقة السياسية الجيدة بين البلدين والقدرة الكبيرة على التعاون الاقتصادي في عدد من المجالات، بما فيها الإنتاج والبناء. وأكد تودوروفيتش أنّ العلاقات بين البلدين على أفضل المستويات التي عرفتها في التاريخ، لافتاً إلى أنّ التحدي الرئيسي يكمن في المعاملات المالية بسبب العقوبات المفروضة على إيران، وإلى أنّ كلاً من الدولتين تسعيان لتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة ولإنشاء مناطق اقتصادية خاصة.

وفي عام 2017، سجّلت محاولات جادة لزيادة التعاون الاقتصادي بين بلغراد وطهران. وفي هذا السياق، ألغت صربيا التأشيرات للإيرانيين، ثم في عام 2018، استؤنفت الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بعد انقطاع دام 27 عاماً. لكن ومع ذلك، وبعد ضغوط قوية من الاتحاد الأوروبي، أعادت صربيا فرض التأشيرات على المواطنين الإيرانيين، فأوقفت إيران للطيران الرحلات الجوية بين طهران وبلغراد. ولا تعترف الجمهورية الإسلامية باستقلال كوسوفو المعلن من جانب واحد، وتعتبر المنطقة جزءاً من صربيا، في حين أنّ بلغراد لا تدعم أبداً أي تصريحات أو قرارات مناهضة لإيران على الساحة العالمية، كما يقول المحلّل السياسي المقيم في صربيا نيكولا ميكوفيتش. أضف إلى ذلك أنّ مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين متدنٍّ للغاية (…)، وسيعتمد مستقبل العلاقات الصربية – الإيرانية بلا شك على موقف الاتحاد الأوروبي (…)، لكن بالنظر لأنّ بروكسل تبدو كأنها تحاول تحسين العلاقات مع طهران، من المحتمل أن يعطي الاتحاد الأوروبي بلغراد الضوء الأخضر لتعميق التعاون الاقتصادي مع الجمهورية الإسلامية، لكن في هذه المرحلة، من غير المحتمل للغاية استئناف الرحلات الجوية المباشرة أو التنازل عن التأشيرة. كما أنّ أي شكل من أشكال التعاون العسكري غير مرجّح للغاية لأنّ الغرب سيعارضه بشدة. مع الإشارة إلى أنّ صربيا تحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا، التي كانت حليفة لإيران، داخل حدود خطة العمل الشاملة المشتركة وخارجها.

وينظر الإيرانيون إلى الروس على أنهم حلفاء قادرين على الدفع من أجل مصالحهم، لكن طهران تشكّك في النهاية في الدوافع الروسية. ويعتقد المحلّل في هذه المرحلة أنّ الموقف الأوروبي تجاه طهران سيتشكل من خلال الطريقة التي تلعب بها إيران في فيينا (…). فإذا انتهجت إيران العدوانية في مطالبها، قد تمنح الأوروبيين أخيراً، والأميركيين حكماً، الغطاء الذي يعتقدون أنهم بحاجة إليه لاتخاذ موقف أكثر تشدداً (…). وحذّر ديبلوماسيون غربيون من أنه في حال تمسكت إيران بمواقفها المتطرّفة وفشلت باستعادة تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فسيتعيّن مراجعة الخيارات سريعاً. وفي غضون ذلك، كرّر كلٌّ من كبير المفاوضين ووزير الخارجية الإيراني الجمعة أنّ الرفع الكامل للعقوبات هو الطرح الوحيد على طاولة المفاوضات في فيينا (…)، وقد تحدد كيفية استجابة الإيرانيين للمفاوضات درجة التعقيد على مستوى العلاقات. فإذا كانت إيران عدوانية في مطالبها، فقد تدفع الأوروبيين أخيراً نحو المزيد من التشدد. وفي هذه الحالة، لن تجد إيران إلا قلة من الحلفاء الأوروبيين الذين بمقدورها الركون إليهم خارج دائرة النفوذ الروسي”.

شارك المقال