“فشة خلق” الثوار في الشارع لم تؤذِ السلطة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

هل تشتعل الثورة من جديد، وهل كان تحرك يوم الاثنين وإقفال الطرقات مجرد “بروفة” صغيرة لاختبار المزاج الشعبي من مجموعات في الثورة، وخصوصاً أن الداعين له روجوا له كبداية لإعلان العصيان المدني، الا ان عدم التجاوب في كل المناطق نتيجة انقسام الحراك وظهور مجموعات تقودها أحزاب وشخصيات ترغب في كسب الشارع على أبواب الانتخابات النيابية، وقوى تمتلك قدرات مالية توعز للبعض بالتحرك من دون خطة واضحة تصاعدية تؤدي الى التغيير المنشود او تحقيق مطالب وتجعل السلطة “الفاسدة” تتراجع عن قرارات تمسّ لقمة عيش المواطن وتسمح له بالتنفس من الأزمات التي تستولدها يوميا في كل المجالات لتخنق انفاسهم الأخيرة. والسؤال ماذا بعد نهار “فشة الخلق” والى أين يتجه مسار الثورة إذا تمت العودة الى الشارع؟

في تقويمه للتحرك يقول الناشط سمير عاكوم لــ “لبنان الكبير” إن “اقفال الطرقات يوم الاثنين كان محطة صغيرة ضمن مسار ثورة 17 تشرين الطويلة، على الرغم من عدم الوضوح من الجهات التي دعت اليه، هل هي مستقلة بالكامل أم تحركها بعض أطراف السلطة لأجندات خاصة بها؟ بالطبع أخذ التحرك شكلاً مطلبياً متعلقاً بالأوضاع المعيشية الصعبة، واكبها الثوار بحذر في بيروت وجونية وطرابلس والبقاع خوفًا من أن يكون وراءها أطراف من السلطة. وفي نهاية التحرك دعا الثوار لإعادة فتح الطرقات خوفًا من التأثير السلبي في المواطنين، خصوصًا أنهم شعروا بأن التحركات تؤذي المواطن المحروم أكثر من سلطة الفساد المتحكمة بمقدرات البلد”.

وبرأيه ان التحرك في الشارع “ضمن النمط القائم، تأثيره سلبي أكثر منه إيجابي”، موضحا: “يجد الكثير من الثوار أن حرق الدواليب وعجقة السير تضر المواطنين أكثر من السلطة. من هنا يفضل الثوار التحرك باتجاه بيوت المسؤولين وعدم التسبب بالأذى لإخوانهم المواطنين”.

وعن غياب الكثير من المجموعات من الحراك القديم عن الساحة، يعتبر عاكوم انه “من الطبيعي أن يغيب بعض الناشطين بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة وكلفة التنقل وعدم الاستجابة المطلوبة من المجتمع اللبناني، لكن بالطبع هناك تواصل في ما بينهم وتطوير التنظيم لمواجهة الإستحقاقات المقبلة. الهم الوحيد هو توضيح مشروع الدولة وتحميل السلطة لا الشعب مسؤولية الانهيار”.

وحول من يحرك الشارع اليوم يجيب: “القوى الصادقة تحركه والتي تصر على دعم القضاء المستقل ودعم متضرري المرفأ والوقوف في وجه جشع السلطة المستمر، وتمد جسور التلاقي مع الشعب في انتظار التحرك الكبير الذي سيحصل عاجلًا أم آجلًا. فالمرحلة الحالية هي مرحلة “عض الأصابع”، السلطة سقطت وفي مرحلة الاحتضار ولم تنضج القوى التغييرية للوصول الى مرحلة البديل المطلوب الذي يبني الشعب عليه آماله في بناء الدولة”.

وبحسب عاكوم، “شعارات الثورة تتطور باستمرار وفق نضوج الرؤية، من “كلن يعني كلن” يتحمل مسؤولية الانهيار وسرقة مقدرات الدولة والشعب، الى القوى التغييرية والمستقلة والتي هي البديل الطبيعي، وصولًا الى شعار استعادة وطن وبناء دولة الذي رفع هذه السنة وهذا برأيي تطور ايجابي لتحقيق الدولة الدستورية وحكم القانون المطلوب وكف يد الميليشيات عن المؤسسات والقضاء وغيره”.

من جهتها، تقول رنا شعبان إن “التحركات الأخيرة كانت عفوية، كأن ثورة 17 تشرين بعثت من جديد وانا احد الشهود، إذ وجهت الدعوة لاهالي بيروت كوني بيروتية لاقفال الطرقات والتحرك في الشارع، والأسباب كثيرة مثلاً خلال ثلاثة أيام متواصلة جاءت الكهرباء ساعة واحدة، وقد وجهنا دعوات عبر الواتساب ونجحنا في تحريك الشارع، الناس موجوعة وتريد التعبير عن ذلك، في حين أن الأحزاب كانت ضد الدعوات التي وجههناها وأدانت في بياناتها تحركنا، فهم لا يريدون أي تحركات في الشارع، جوعوا الشعب وفاقموا الازمات وفق استراتيجية مرسومة سلفاً من اجل الوصول الى النجاح في الانتخابات وشراء أصوات الناس المحتاجين، هذا التحرك فضح أحزاب السلطة بوضوح”.

وتعطي رنا مثالا عن الأسباب التي دفعت الى النزول الى الشارع عدا مشكلات الدواء والكهرباء والمياه والغاز وارتفاع الأسعار وفق دولار السوق السوداء قائلة: “ماذا يعني ان يكون الراتب مليوناً ونصف المليون والموظف يدفع 13 او 14 الف ليرة نقليات أي ان النقليات صارت مكلفة اكثر من ايجارات المنازل”.

وبغضب تقول: “عهد ميشال عون كارثة، نقلونا من حكومة لحكومة أسوأ وادعوا عن واحدة انها مستقلة وعن الأخرى انها للانقاذ، فهل نجيب ميقاتي سينقذ البلد؟، مشيرة الى ان القمع سيزداد وحرية الراي ستصادر والانتخابات النيابية لن تكون ديموقراطية في ظل فرض سلطة “حزب الله” علينا والآتي اعظم في الانتخابات النيابية بالطبع، نحن جميعا نتمنى السلام للبنان ونتمنى الوحدة لشعبه وان يخلع عنه رداء الطائفية والمذهبية والحزبية”.

اما شهيد نمنم، فيوضح ان حزب “سبعة” كان من المشاركين في هذا التحرك المعبر عن وجع الناس، والناس لا تريد مبررا للخروح فهي تعاني، ويقول: “لم تكن هناك جهة حزبية معينة دعت للتحرك، هناك مجموعات كانت تقوم بتحركات واعتصامات امام منازل المسؤولين وامام الوزارات ولم يتوقف الثوار عن المبادرة لكن لا بد من الاستثمار الجيد لهذه التحركات عبر التراكم حتى يتحقق التغيير المطلوب والذي يتطلب استثماره سياسياً في وقت لاحق والسماح للناس بالتعبير عن رأيها في الشارع”.

ويؤكد ان “شعارات الثورة لم تتغير بدءاً من محاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة وغيرها وصولاً الى تأمين الدواء والكهرباء والمحروقات، مشددا على ضرورة ان تنظف الثورة نفسها وتحمي من لم يرتبط باجندات خارجية”.

وسط هذه المعمعة في صفوف الثوار، يطالب البعض منهم بوضع معايير للعمل الثوري والمعيار الأول هو رفع الاحتلال الإيراني وبناء قضاء نزيه ومستقل والمعيار الثاني ويأتي بعد تطبيق الأول وهو الإبقاء على شعار “كلن يعني كلن” تحت سقف القضاء العادل لتحديد من الفاسد ومن النزيه، منتقدين لعب الثوار لدور القاضي ومتجرئين على فضح المستور وهو ان الثورة تحوي عددا لا يستهان به من الفاسدين الذين لم يمارسوا العمل السياسي في السابق.

شارك المقال