قوّة ميقاتي في ضعفه… استقالة قرداحي هديّة لماكرون

حسن الدّر
حسن الدّر

ليس انتقاصًا من شخص رئيس الحكومة ودوره بقدر ما هو توصيف لطريقة إدارته لواحدة من أصعب الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة والقضائيّة الّتي تعصف بلبنان.

نجح ميقاتي، بأسلوبه السّلس، بإحراج الوزير جورج قرداحي ووضعه أمام خيارين: الكرامة الشّخصيّة مقابل المصلحة الوطنيّة، وميقاتي يعرف بأنّ الأزمة مع السّعوديّة لا تحلّ باستقالة وزير الاعلام، وهذه الخطوة مجرّد هديّة لماكرون الّذي كان سببًا في تكليفه تشكيل الحكومة!

فالرّئيس الّذي أطلّ على اللبنانيين بدموعه فور تكليفه تشكيل الحكومة، وراح يصف واقعًا يعانيه كلّ قاطن على هذه البقعة “الموقوفة” على تعبير أحد المعمّرين الجنوبيين، استمرّ في تسجيل “صفر انجازات” قبل وبعد تعطّل الجلسات الحكوميّة!

حلّق الدّولار في ظلّ الحكومة فوق سقف 25000ل.ل.، رفع الدّعم عن الدّواء والمحروقات وتراكمت الأزمات والخيبات، فارتفعت نسبة الفقر والفقراء لتصل إلى أكثر من 80% من عدد السّكّان، وكذلك نسب الهجرة والجريمة والسّرقات، أمّا منسوب اليأس والبؤس فحدّث ولا حرج!

كلّ ذلك وأكثر، والحاج نجيب يطالعنا بالمواعظ والحكم، ودروس الاتّكال على الله، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى العمل بالمبدأ الإيمانيّ: “اسعَ يا عبدي لاسعى معك”، لكنّ سعي النّجيب توقّف عندما قرّر القاضي طارق البيطار التفرّد برأيه وممارسة ديكتاتوريّة قضائيّة غير مسبوقة في تاريخ القضاء.

توقّفت جلسات الحكومة، ووقعت مجزرة الطّيّونة ولم يرفّ جفن البيطار، ولم تتحرّك سواكن الميقاتي إلّا عن بيع الآمال الفارغة على قارعة الوقت الضّائع من عمر الوطن والمواطنين، متّكئًا على دعم الفرنسيين والامريكيين الّذين ساندوه بوابل من التّصريحات الرّافضة لاستقالة حكومته، وبقائها، ولو صوريًّا، حتّى تنجلي غبار المعركة الانتخابيّة، أو يحصل خرقٌ ما في الموقف السّعوديّ اتّجاه لبنان.

ومع التّأكيد على ضرورة تصحيح العلاقات اللّبنانيّة السّعوديّة، واللّبنانيّة الخليجيّة عمومًا، جاءت استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي بمثابة انتصار لنهج رئيس الحكومة، الّذي يتقن فنّ التّمسكن للتّمكن.

ولكن، هل تكون الاستقالة مفتاحًا لعودة العلاقات الطّبيعيّة بين لبنان والمملكة العربيّة السّعوديّة؟

في الشّكل حدث خرقٌ غير متوقّع تمثّل بالاتصال الهاتفي المشترك الّذي أجري مع رئيس الحكومة، أمّا في المضمون فلا شيء يوحي بذلك، فقد سبق وأعلن السّعوديّون موقفهم، وقال رأس الدّيبلوماسيّة هناك بأنّ المشكلة مع لبنان أكبر من تصريحات وزير، وربط الأزمة بدور “حزب الله” في لبنان داعيًا اللّبنانيين إلى مواجهته.

فماذا يمكن أن يقدّم الرّئيس الفرنسيّ ايمانيول ماكرون لوليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان لاقناعه بتخفيف حدّة المواجهة مع لبنان؟

استقالة الوزير جورج قرداحي هديّة من ميقاتي للرئيس الفرنسي الّذي يريد تأكيد حضوره المعنوي في لبنان أملًا بدور أكثر فاعليّة مستقبلًا، خصوصًا وأنّ الفرنسيين يريدون حصّة من الثّورة النّفطيّة في شرق المتوسّط.

وعلى جدول أعمال الرّئيس الفرنسي، حسب قصر الإليزيه، عدّة ملفّات، أولها ملف الحرب على الإرهاب وتمويله، بما في ذلك داخل الأراضي الفرنسية. والملف النووي الإيراني، إلى جانب المسائل الإقليمية المرتبطة بالدور الإقليمي لطهران.

وكذلك الملف اللبناني سيكون حاضرًا بقوّة في المحطات الخليجية الثلاث(الامارات وقطر والسعودية)
وذكرت مصادر الإليزيه أن ماكرون مهتمّ جدًّا بهذا الملفّ، وأن هدفه الراهن «تعزيز التنسيق مع السعودية وقطر والإمارات حول الدعم الواجب توافره للبنان، وتجنيبه الغرق أكثر فأكثر في الأزمات»، وذكرت المصادر الفرنسية أن ماكرون قد يبحث أزمة لبنان مع دول الخليج، مشيرًا إلى أنّ لبنان «يعاني من مشكلة بنيوية يتعين العمل بشأنها مع الأشخاص ذوي الإرادة الحسنة».

هنا بيت القصيد بالنّسبة إلى لبنان وأزمته، وهذا ما يعوّل عليه ميقاتي وكذلك ماكرون، ولكن، هل يحقّق ماكرون ما عجز عنه بايدن؟

سييبقى الموقف الخليجي على حاله، وما تمّ تسريبه مرارًا، صار شبه مؤكّد، بأنّ المملكة العربيّة السّعوديّة لن تخطو خطوة باتّجاه لبنان قبل نهاية عهد الرّئيس ميشال عون، ولن تقدّم أيّ مساعدة للحكومة المشلولة والدّولة المنهارة قبل صدور نتائج الانتخابات النّيابيّة القادمة!

وفي جميع الأحوال، نجح ماكرون أم فشل في تغيير موقف السّعوديّة، يبقى على رئيس الحكومة ايجاد حلّ لتعدّي السّلطة القضائيّة على صلاحيّات السّلطة التّشريعيّة، وتصويب مسار التّحقيقات في قضيّة مرفأ بيروت، لتعود حكومته إلى الانعقاد وتحدّ سرعة الانهيار، وربّما الانفجار الاجتماعيّ المحتمل.

أمّا الحرّيّة والسّيادة والكرامة الوطنيّة، فتلك قضيّة فيها نظر، في بلد تُعدّ الخيانة فيه “وجهة نظر”!

شارك المقال