استقالة قرداحي: “مجبر أخاك لا بطل”

هدى علاء الدين

وأخيراً، رضخ وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي للضغوط الدولية من أجل تقديم استقالته، بعدما فشلت كل المساعي الداخلية من أجل إقناعه الإقدام على هذه الخطوة رأفة بلبنان واللبنانيين. قرداحي الذي ساهمت تصريحاته بنشوب أسوأ أزمة ديبلوماسية وسياسية واقتصادية بين لبنان ودول الخليج على رأسها السعودية، اعتبر أن استقالته فرصة لإعادة الأمور إلى طبيعتها مع المملكة؟ فهل هي الحل المنشود الذي يُراهن عليه لبنان اليوم، أم أن المطلوب أكثر بكثير من أجل عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية بين البلدين؟.

مجرّد مفتاح للحل

ظاهرياً، أتت خطوة قرداحي بمثابة خرق ثقب صغير في جدار القطيعة والعزلة التي فرضها لبنان بنفسه على نفسه، وكانت نتيجة ضغط دولي مكثّف ولم تكن عن قناعة راسخة لدى الوزير الذي تأخر كثيراً في تقديمها لينطبق عليه المثل: “مجبرٌ أخاك لا بطل”. صحيحٌ أن لا شيء يأتي متأخراً ولم يفت الأوان بعد على ترميم ما تهدّم، لكن هذه الاستقالة ما هي إلا مفتاح الباب للحل وليس الحلّ بعينه، يقول رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية – الخليجية إيلي رزق، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، مشيراً إلى أنها كانت بمسعى فرنسي – إماراتي – مصري وشكلت خريطة طريق حملها معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقيادات في المملكة العربية السعودية، ترتكز الى ثلاث نقاط أساسية تؤكّد على أن لبنان لن يكون:

1- ممراً أو معبراً لتهريب المخدرات إلى السعودية أو إلى أي دولة خليجية.

2- منبراً إعلامياً أو ساحة للتهجم على قادة المملكة أو قادة دول مجلس التعاون الخليجي.

3- إلا عربي الهوية وصاحب دور عربي مساند لأشقائه.

وحسب رزق، فإن توفر هذه الشروط الثلاثة ستُساهم في العودة التدريجية لإعادة إحياء العلاقات المقطوعة بدءاً من عودة السفراء والتمثيل الديبلوماسي، مروراً برفع الحظر عن التبادل التجاري وصولاً إلى عودة العلاقة الكاملة إلى طبيعتها قبل بدء الأزمة، معبراً عن تفاؤله بذلك خصوصاً أن هناك قبولاً لبنانياً وقناعة من كافة القوى السياسية وحتى من حزب الله على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات التي تساهم في التخفيف من معاناة الشعب اللبناني وتسهيل تنفيذها، مشكّكاً في نية حزب الله أن يعرقل في الوقت الراهن أيا من شروط المملكة التي تفتح المجال أمام عودة العلاقات السعودية اللبنانية بشكل خاص، ليس مخافة من السعودية أو من القوى المناهضة، إنما انطلاقاً من أن جمهور الحزب أيضاً يعاني من الضائقة المعيشية والأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان. وتوقّع رزق أن يلمس لبنان مفعول هذه الخطوة وتداعياتها منتصف الأسبوع المقبل، بعد انتهاء زيارة ولي العد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرسمية إلى سلطنة عمان، من دون أن يستبعد أن يكون هناك زيارات رسمية لشخصيات لبنانية إلى المملكة.

أفضل العلاقات مع الخليج

لا يحتاج لبنان إلى مساعدات مالية من دول مجلس التعاون الخليجي يقول رزق، بل كلّ ما يطلبه هو أن تكون لديه أفضل العلاقات مع الدول الخليجية، التي تفسح المجال في عودة السياح الخليجيين والاستثمار الخليجي ورفع الحظر عن التبادل التجاري، مشيراً في المقلب الآخر الى أن لبنان بحاجة ماسة إلى إعادة الثقة بقياداته السياسية وبقطاعه المصرفي بالدرجة الاولى، مؤكداً أن لبنانيي الانتشار قادرون على إعادة الحياة إلى دورة لبنان الاقتصادية من دون اللجوء إلى الاقتراض المفرط عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجية اللبنانية عن طريق الـ PPP أو ما يعرف بالشراكة بين القطاعين العام والخاص لا سيما في قطاعات الكهرباء والمياه والخليوي والموانئ البحرية وغيرها الكثير، في حال توفرت لهم البيئة الاستثمارية والاقتصادية اللازمة بعيداً عن التجاذبات والصراعات السياسية.

رزق الذي أكّد وجود مسعى أوروبي يترافق مع المسعى الفرنسي – المصري – الإماراتي لإعادة رأب ما تصدع من العلاقة بين لبنان والسعودية وفرض ضغوط على القوى السياسية من أجل احترام الاستحقاقات الدستورية بدءاً من الانتخابات النيابة وصولاً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، استبعد الوصول إلى أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة (من ضمنها دول الخليج العربي) قبل إجراء الإصلاحات المطلوبة بطريقة شفافة من قبل الحكومة ووقف مكامن الهدر والفساد.

اتفاق وطني اقتصادي

وختم رزق بالإشارة إلى خطوة ضرورية لا بد من القيام بها أسوةً بالاتفاق الدولي الذي عقده لبنان تحت مسمى اتفاق الطائف من أجل تحديد هويته العربية، تتمثل في عقد اتفاق وطني اقتصادي لتحديد دور لبنان الاقتصادي ولا سيما أن هناك من يريد أن يكون دوره عسكرياً وسياسياً في المنطقة وهذا أمر مستحيل. فلبنان يملك اليوم سلاحاً اقتصادياً بفضل أدمغته التي تُصدر إلى الخارج وما تمتلكه من قدرات في الابتكار وإيجاد الحلول، يفوق سلاحه العسكري والسياسي ويُمكنه أن يكون أكبر قوة اقتصادية ولاعباً اقتصادياً هاماً على الخريطة العربية والعالمية، لافتاً إلى أن ما تعرض له اللبناني من تدمير لسُمعته كمتميز ومبدع ومثقف وكمتفوق في مختلف المجالات ليس فقط في دول مجلس التعاون الخليجي إنما في العالم، يحتاج اليوم إلى تلميع هذه الصورة من جديد وإعادتها إلى موقعها الأساسي.

هذه حتماً صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية ستنعكس إيجاباً على العلاقات مع مختلف دول الخليج، وستُشكل انفراجاً أولياً سيتبعه العديد من الانفراجات التي يحتاجها لبنان اليوم من أجل فكّ العزلة الخليجية التي كانت مفروضة عليه إذا التزم سياسة الابتعاد عن كل ما يضرّ بالمملكة ومحيطها، علّ ما حصل يكون درساً له ليتعلم حكامه من خلاله أن لبنان سيبقى عربي الهوية والمنشأ وأن علاقته مع دول الخليج هي جزءٌ لا يتجزأ من كينونته واستمراره وأن الخطأ بحق لبنان واللبنانيين جريمةٌ لا تُغتفر.

شارك المقال