الحكومة باتت وراءنا…المقاربة مختلفة

جيلبير ج. رزق

في 22 تشرين الأوّل من العام الماضي، كلّف رئيس الجمهورية ميشال عون رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة بعد تسميته من قبل الأكثرية في الاستشارات النيابية الملزمة. وقد أتى هذا التكليف، وسط ترقب فرنسي ودولي، لناحية الاستجابة للمبادرة الفرنسية، التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عقب جريمة انفجار مرفأ بيروت.

6 أشهر مرّت على هذا التكليف والحكومة لم تبصر النور. وعلى الرغم من كل الضغوط من الداخل والخارج، إلّا أن الأمور بقيت عند نقطة الصفر لناحية إقناع المنظومة التي أوصلت البلاد إلى هنا، بأنّ الوقت وقت إصلاح حقيقي لا محاصصة، وأنّ البقرة الحلوب التي حلبوها على مدى 30 عامًا ماتت وشبعت موتًا، وبالتالي لم يعد مُجديًا حلبها وهي ميتة.

أمّا اليوم، فعناصر جديدة تفرض نفسها على المشهد الحكومي المتعثّر، وتفرض مقاربة مختلفة، قد تصل بنا إلى الاستنتاج، بألّا جدوى من الاستمرار بمهزلة التأليف بعد الآن، وحريّ بنا الانتقال إلى مقاربة أكثر واقعية.

لا يكفي عدّ الأشهر التي مرّت على التكليف، إذ أن الأشهر المُتبقية قبل انقضاء المهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبية إلى الانتخابات النيابية باتت معدودة على أصابع اليدين، فإذا أخذنا بالاعتبار شهري رمضان هذا العام والعام المقبل، يبقى أمامنا 10 أشهر فقط تفصلنا عن موعد الاقتراع، والكل يعلم ما ستكون عليه أجواء الحملات الانتخابية والمنابر والحناجر “وحتى لا سمح الله الخناجر”، في منظومة لم تستطع يومًا تقديم ما هو أفضل من هذا الواقع المرير لشعبها. كيف سيتراشق أركان المنظومة الحاكمة التُّهم في جبهات “الحق عليك مش الحق علينا” في محاولة إلصاق مسؤولية الانهيار الكبير على الآخر؟ وبالتالي فإنّ الإنتاجية في أي حكومة طابعها سياسي ستكون معدومة في الأشهر القليلة المتبقية قبل الانتخابات.

هذا يجعلنا نسأل: لماذا تصرّ المنظومة السياسية على الاستمرار في عملية تمرير الوقت في لعبة تشكيل الحكومة وكأنّ السنين أمامها طوال؟ الكلّ بات يدرك أن هذه الحكومة ستولد ميتة أصلًا بحكم المهل، ويستمرون بهذه المسرحية على هزليتها، على الرغم من الكلفة الخيالية لهذا الوقت الضائع على كاهل المواطن وما تبقّى من أمواله وصحته.

نعم الحكومة العتيدة ستولد ميتة ولأسباب عديدة:

أوّلًا: فور تأليف الحكومة العتيدة سننتقل من معركة تسمية الوزراء إلى معركة أخرى عنوانها البيان الوزاري، وما سينصّ عليه البيان لناحية النقاط الخلافية، وعلى رأسها ثلاثيّة إفقار لبنان أي “الجيش والشعب والمقاومة”.

ثانياً – أيّ حكومة سيشكلها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، سيلزمها أقلّه مئة يوم لكي يدرس كلّ وزير فيها ملفات وزارته وينطلق بعمله، هذا إذا لم يطرأ ما ليس في الحسبان.

إذًا، وبالمختصر المفيد، فور انتهاء هذه المهل نكون أمام استحقاق دعوة الهيئات الناخبة أو على بعد شهر أو شهرين منه، وبذلك تكون البلاد قد دخلت مرحلة الانتخابات النيابية، وعليه لا بد من السؤال عن أي حكومة تتحدثون وأي إصلاحات تعدون بها؟

ما الجدوى من هذا الاشتباك العقيم بدل الذهاب فورًا إلى حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات المقبلة، تكون خارج هذا الاصطفاف كله وتحني رأس المؤسسات الدستورية أمام إرادة الشعب اللبناني… هذا الشعب المدمّر إرهابيًا بانفجار بيروت، المنهوب اقتصاديًا وماليًا بفعل منظومة عاثت فسادًا ولم تشبع… الشعب المنكوب صحيًا وبيئيًا والواقف أمام مفترق طرق مصيري وجودي… فهل نعطيه أمل البقاء من خلال احترام إرادته في صندوقة الاقتراع، أم يستمر “كارتيل المافيا والميليشيا” بعملية خنق لبنان الكبير لاستبداله بآخر صغير على صورة الكارتيل ومثاله؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً