الحكومة على قارعة الانتظار… واللبنانيون في النار

هيام طوق
هيام طوق

لو أراد اللبنانيون أن يختاروا عنواناً لحياتهم لن يجدوا أفضل من كلمة الانتظار حيث يمضون الطفولة والمراهقة والبلوغ وصولاً الى الشيخوخة، وهم ينتظرون على قارعة الأمل بأن تهدأ الأحوال ويفضى البال، فتمرّ الأيام وتنتهي صفحات العمر ولن يتذوقوا سوى مرارة الانتظار.

وبين تعدد الانتظارات وتنوعها بين الداخل والخارج، عيون اللبنانيين شاخصة اليوم الى جلسة مجلس الوزراء المقيدة بألف عقدة وعقدة، علها تكون بادرة أمل في وضع القطار على سكة الاصلاح وسط أحاديث ومعلومات تشير الى انه في حال كتب للجلسة الانعقاد ستكون للمقايضة بما معناه يتم تأمين النصاب من أجل كف يد القاضي طارق البيطار، في المقابل يقدم المجلس الدستوري لرئيس الجمهورية مسألة عدم تصويت المغتربين اللبنانيين لـ 128 نائباً، وحصر تصويتهم بستة نواب خصوصاً ان هؤلاء سيكون لهم تأثير في نتائج الاستحقاق الدستوري والتي لن تكون لصالح “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وفق استطلاعات الرأي.

وما يفاقم الشك بنزاهة الانتخابات هو تسريب “داتا المعلومات” الخاصة بتسجيل أسماء المنتشرين الى أطراف سياسيين مما دفع عدداً كبيراً منهم الى الاعتراض على تسريب “الداتا” الخاصة بهم خصوصاً بعد أن تلقوا اتصالات من مسؤولين في ” التيار الوطني الحر”، وأعربوا عن استغرابهم واستيائهم من كيفية كشف أرقام هواتفهم مع العلم ان هناك 1400 طلب تسجيل لم تقبل بسبب عيوب وأخطاء في ملء الاستمارات.

وأكد رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور في حديث لـ”لبنان الكبير” ان “أي معلومات تتعلق بالناخبين مثل أرقام الهواتف أو العناوين الخاصة يجب عدم الحصول عليها من طرف سياسي دون آخر ويجب عدم الحصول عليها البتة من أي تيار سياسي. إما ان يكون ظلم في السوية وعدل في الرعية أي أن تأخذ وزارة الخارجية القرار بتزويد المرشحين وتعميم المعلومات الخاصة بالمنتشرين على كل من يريد الاطلاع، ويكون هذا الاجراء انتهاكا لخصوصية المغتربين، وجلّ ما يستطيعه المرشح هو ان يطلع على القوائم الانتخابية وليس الاطلاع على المعلومات الاخرى التي لا يجوز اعطاؤها لأحد وان استحصل عليها تيار دون آخر فتلك مفاضلة لذلك التيار على سواه لأنها تخوله التواصل مع المنتشرين وفيها خرق فاضح لخصوصية المنتشرين”.

وأشار الى انه “يستطيع أي طرف متضرر من اجراء وزارة الداخلية أن يطعن بذلك الاجراء لا ان يطعن بقانون الانتخاب.انه طعن بقرار اداري صادر عن وزارة الداخلية وليس طعنا بدستورية قانون الانتخاب”.

ولفتت مصادر سياسية لـ “لبنان الكبير” الى ان “التيار الوطني الحر اضافة الى وضعه الداخلي غير المريح انتخابيا، يعلم ان دفة تصويت المغتربين لن تكون لصالحه، وهو اليوم يحاول بكل الطرق انقاذ وضعه حتى انه يتصل بالمسجلين فرداً فرداً وفي كل دول العالم، مشددا على انه بعد أن حصل التيار على داتا المعلومات بات من الضروري تعميمها على كل الأطراف كي لا تفتح هذه النقطة بابا للطعن في نزاهة الانتخابات”.

وفي وقت لا يزال الثنائي الشيعي يربط المشاركة بالجلسات الحكومية بكف يد القاضي البيطار، وإحالة التحقيق مع الرؤساء والوزراء في ملف المرفأ الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لفت رئيس الجمهورية ميشال عون الى ان “البرلمان يفصل في الإشكاليّة الحاصلة بين صلاحيّات المحقق العدلي وصلاحيّات مجلس النواب، والأغلبيّة هي من تقرّر، ونحن يجب أن نلتزم برأي الأكثريّة البرلمانيّة، سواء أقرّت حقّ المحقّق العدلي في إجراءاته، أو قرّرت حصر صلاحيّات محاكمة الوزراء والنواب والمسؤولين في محكمة البرلمان”.

هذا ما يتم التداول به في الكواليس وفي الاعلام، لكن هل المقايضة على الجلسة الحكومية سلكت طريقها نحو التنفيذ؟ سؤال أجاب عنه النائب علي درويش الذي أكد لـ”لبنان الكبير” ان “الحكومة والرئيس نجيب ميقاتي غير معنيين بأي مقايضة، ولدينا اليوم هم اعادة التئام مجلس الوزراء الذي تنتظره عشرات البنود على جدول الاعمال، مشيرا الى ان هناك مسعى عالي الوتيرة لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء، ولننتظر جلسة مجلس النواب اليوم التي ستعطي مؤشراً، من خلال كيفية تعاطي الكتل النيابية مع بعضها في العناوين المطروحة، ولناحية طبيعة الخطاب ومجرى الجلسة، ان كانت الأمور أصبحت ناضجة لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء”.

وشدد على ان “المقايضة بشيء مقابل شيء آخر يأتي من باب التحليل والمعلومات قد تكون صحيحة وقد لا تكون صحيحة، لكن في النهاية بات من الضروري اعادة التئام المجلس لاتخاذ القرارات الضرورية لحياة الناس، لافتا الى اننا ما زلنا مع فصل السلطات والحكومة لديها استقلالية معينة ولديها سلطة تنفيذية ولا تتدخل بالشأن القضائي بالمباشر. الثوابت لا تزال قائمة عند الرئيس ميقاتي، والتئام الحكومة تحت أي عنوان واجب لمعالجة الامور الحياتية عند الناس”.

أما لناحية موقف الثنائي الشيعي، فشدد الكاتب والمحلل السياسي حسن الدر على انه “لا يجوز وضع كل ما يحصل في اطار التسويات، والمقايضة التي يتم التداول بها غير مطروحة ولسنا معنيين بها خصوصاً ان هناك حقاً مكتسباً لمجلس النواب، ولا يجوز المقايضة عليه بقضية مختلفة عنه تماماً، كما ان الثنائي لن يدخل دم الابرياء الذين سقطوا في كمين الطيونة في بازارات السياسة والمقايضات”.

وأشار الى ان “الثنائي لا يزال على موقفه المبدئي والدستوري اذ انه لن يشارك بأي جلسة لمجلس الوزراء اذا لم يحل موضوع القاضي البيطار أو ان يكون هناك تعهد ان الجلسة ستُعقد لحل الموضوع، وفي حال دعا الرئيس ميقاتي الى جلسة من دون ترتيب مسألة البيطار، فالثنائي لن يشارك فيها لأنه يريد تطبيق الدستور الذي ينص على محاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

أمّا بخصوص الجلسة التشريعية المخصّصة لمناقشة انشاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لفت الدر الى انه “يُحكى بأن التيار الوطني الحر سيحضرها لتأمين النصاب لكنه لن يصوت على بند انشاء المجلس عند طرحه للتصويت، إلا ان الرئيس بري لم يقبل بهذا العرض، وبالتالي، لن تعقد الجلسة قبل تأمين النصاب والتصويت على بند المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المطروح”.

وللإضاءة على الجانب القانوني لإمكان عقد جلسة لمجلس النواب تتم فيها تعديلات قد تطال صلاحيات المحقق العدلي ، قال زكور: “إن اجتمع مجلس النواب وأقرّ بأكثريته المطلقة تعديلاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية المختصة بالمحقق العدلي فذلك جائز لأن القانون يعدل بقانون. لكن هناك اشكالية ستطرح حول التصويت على تعديل القانون. هل هو بالاكثرية المطلقة أي النصف زائدا واحدا على اساس الـ 128 نائباً أو الاكثرية المطلقة على اساس الـ 117 نائباً. هناك وجهتا نظر اذ ان التيار الوطني الحر ميّال لحساب الاغلبية المطلقة نصفاً زائداً واحداً على اساس الـ 128 نائباً (65) وأنا ميّال لحساب الاغلبية على اساس الـ 117 نائبا لأنه هكذا يقول المنطق العملي، واذا اعتبرنا ان النصاب نصفا زائدا واحد هو نصف الـ 128 أي 65 بينما العدد الفعلي 117 نائباً، نكون نخالف الدستور الذي يتحدث عن الاغلبية المطلقة الفعلية”.

ورأى انه “بمعزل عن النصاب، اذا اجتمع مجلس النواب وأقر بالاغلبية المطلوبة تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وتعديل صلاحيات المحقق العدلي، فذلك يصح لأن القانون يعدل بقانون، وان أرادوا تعديل صلاحيات المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فصلاحياته تتطلب تعديل قانون لأنه نظم بقانون ولكن دوره يتطلب تعديلاً دستوريا لأن الدستور تحدث عن المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. اذا دوره بشكل عام يتطلب تعديلاً دستورياً أما بعض صلاحياته فتتطلب تعديل القانون”.

شارك المقال