ارتباك في نطنز؟

حسناء بو حرفوش

“ما حصل في نطنز يثير الكثير من الشكوك”، هذه هي خلاصة تحليل في موقع “ناشيونال ريفيو” (national review) الأميركي، والذي يطرح علامات استفهام حول ثلاثة “مؤشرات تشكل مصدراً للإرباك”. وكتبت فيكتوريا كوتس، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي عملت ضمن فريق إدارة ترامب، في مقالها: “لا يمكن لأي شخص شهد ما حصل مساء السبت الماضي إلا أن يفترض وبأقل قدر من اليقين، أن شيئاً غريباً للغاية حدث بالقرب من منشأة نطنز الإيرانية النووية. وقد أصبحت الاضطرابات في نطنز شائعة إلى حد ما في الفترة الأخيرة، إذ سجل اندلاع حريق كبير في تموز 2020، تلاه انفجار في نيسان 2021 تسبّب بانقطاع التيار الكهربائي عن المنشأة. وفي الحالتين، بدا السيناريو المرجح عبارة عن تخريب متعمد يهدف إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني، فوجهت أصابع الإتهام إما إلى (إسرائيل) أو إلى جيران إيران الآخرين الذين يمتلكون رؤية أوضح بكثير لما قد تعنيه إيران النووية بالنسبة إلى منطقتهم. ويحيط الكثير من الغموض بكل ما حدث ليلة السبت على بعد 12 ميلاً من محطة التخصيب. كما قد يشير إلى أننا ندخل مرحلة جديدة وأكثر خطورة وأقل استقراراً من سعي الجمهورية الإسلامية لامتلاك سلاح نووي منذ فترة طويلة”.

وسطّرت كوتس ما أسمته بـ”المؤشرات الغريبة” حول غموض ما يحدث، معدّدة ثلاث نقاط تصنفها كمثيرة للشكوك:

– أولاً، مصدر الشك الأول هو الوميض الهائل للضوء الذي أعقب نوعاً من الانفجار، والذي أطلق الشرارة لمنشورات حادة على الشبكة العنكبوتية، وفي قلبها سيناريو الاختبار النووي المحتمل. لكن ذلك ليس بالسيناريو الدقيق. كما ركّزت بعض التفسيرات الأخرى على نوع من النبض الكهرومغناطيسي غير النووي أو على اختبار روتيني لنظام دفاع صاروخي إيراني جديد.

– ثانيا، ورد ذكر تجربة الدفاع الصاروخي ضمن سلسلة من الروايات الإيرانية الرسمية المتباينة، مما يشير إلى أن النظام لا يملك أدنى فكرة عما حدث بالفعل، ولعله لا يعرف ما حصل أكثر من بقيتنا. وشملت التفسيرات الأخرى التي تمت مشاركتها، تفجير مسيرة، مما يشير إلى إحباط هجوم ما في تلك الليلة.

– ثالثا، أفادت بعض التقارير التي تلت حدوث الانفجار، بإخلاء قريتي شجاع آباد وأحمد أباد المجاورتين لمكان الحادث. ولا يمكن أن تبدو عملية الإخلاء هذه طبيعية عقب إجراء اختبار روتيني للدفاع الصاروخي. في النهاية، في حال تم التخطيط فعلياً لهذا الانفجار، فلا بد أن الجهة المنفذة كانت لتأخذ الخطر المحتمل الذي يمثله على المدنيين الموجودين بالقرب من الموقع، وبالتالي لتوجب إجلاء هؤلاء قبل الاختبار وليس بعده (مع العلم أن بعض المواقع الإيرانية أفادت بالطلب من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بعدم مشاركة أي معلومات مع وسائل الإعلام). ومع ذلك، تشير عمليات الإجلاء التي حصلت بعد الانفجار إلى أن القلق ساور السلطات على الأقل لبعض الوقت بشأن الوضع في محطة التخصيب.

وتتزامن هذه الحلقة الأخيرة من الحوادث في منطقة نطنز التي شهدت كما ذكرنا آنفاً عدداً من الحوادث في السابق، مع فشل الجولة السابعة للمفاوضات النووية في فيينا والتي استهلت في وقت سابق من هذا العام من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وعقدت إدارة هذا الأخير العزم على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة التي تعود للعام 2015 على الرغم من التعنت الإيراني، إضافة إلى التطور المتسارع على مستوى أنشطة التخصيب باستمرار على مدار العام 2021. لقد فات الوقت للاعتراف ومواجهة حقيقة أن خطة العمل الشاملة المشتركة لا تمثل أي نوع من أنواع الضبط ذي المغزى والتي تقيد الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية.

أما عن العدد المرتفع للمراقبين الذين قفزوا بعد الانفجار لاستنتاج التجربة النووية المحتملة، فيشير ربما إلى ضرورة إضافة واشنطن مسألة إيران النووية إلى شبحي الغزو الصيني لتايوان والغزو الروسي لأوكرانيا واللذين يلوحان في الأفق على أعتاب العام الجديد. ولا يبدو أن إدارة بايدن على استعداد لمواجهة أي من هذه السيناريوات على الإطلاق. هذا مع الإشارة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الموساد يفترض أن يصلا هذا الأسبوع إلى واشنطن لإجراء مشاورات عاجلة بشأن الملف النووي الإيراني”. وفي هذا الصدد، نقلت مواقع إيرانية عن وسائل إعلام إسرائيلية أن الهدف من هذه الزيارة هو لإقناع المسؤولين الأميركيين بشن ضربة عسكرية أميركية ضد إيران. 

عن التهديدات الإسرائيلية

وفي سياق متصل، نشر موقع “ريسبونسيبل ستايت كرافت” (responsible state craft) الأميركي مقالاً للمحلل جورجيو كافيرو اعتبر فيه أن “التهديدات الإسرائيلية قد تنتهي بوضع إسرائيل أمام خيارين مصيريين وغير مرغوب فيهما في حال فشلت المفاوضات، إما تنفيذ التهديد والدخول في دوامة التصعيد مع إيران وحلفائها الإقليميين، وإما المخاطرة بعدم أخذ أي تهديد مستقبلي لها بجدية (…) في المقابل، ليس النظام في طهران انتحارياً. ويعرف القادة الإيرانيون أن بلادهم ستعاني من عواقب وخيمة إذا نفذت أي هجوم. ويبدو أن أنشطة إيران النووية مصممة بشكل أساسي على تعزيز مكانة الدولة والاستفادة من مخاوف القوى الأخرى من البرنامج النووي الإيراني. ولا يحتاج الإيرانيون بالضرورة إلى امتلاك أسلحة نووية لمواصلة تحقيق هذه الأهداف.

(…) وبينما تواصل إيران والقوى العالمية اليوم المفاوضات النووية التي جمّدت في 3 كانون الأول الماضي، تصر (إسرائيل) على دعوة جميع الأطراف لوقف المحادثات في الحال. لكن يتعين على الإسرائيليين أن يفهموا أن الصفقة النووية التي تم إحياؤها تشكل حالياً المسار الأكثر واقعية لضمان توقف إيران، أو إذا أمكن، عكس برنامجها النووي بما يتوافق مع المستويات المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015”.

شارك المقال