برلمان 2022 والكتلة الشمالية: معارك إثبات الوجود

عاصم عبد الرحمن

على وقع انتظار ما ستؤول إليه نتيجة الطعن الذي قدّمه التيار الوطني الحر بالقانون الانتخابي إلى المجلس الدستوري، تترقب الأوساط السياسية على الصعد الحزبية والجماهيرية والقوى التغييرية المسارات الانتخابية ترشحاً واقتراعاً، يحمل كلٌّ منهم ورقة وقلماً يحتسب أصوات مؤيديه وأخصامه على السواء بخاصة بعدما لفحت الأزمة المالية المستفحلة أولويات ليس الناخبين فحسب بل حتى المنظَّمين الحزبيين، ذلك أن القتال من أجل تأمين لقمة العيش يتربع على عرش اهتمامات المواطنين سواسية.

ولعلَّ المنطقة الشمالية تعتبر أحد أهم مسارح اللعبة السياسية والزعاماتية في لبنان، إذ لطالما شكَّل لبنان الشمالي هيكل بنيان الزعامة السياسية للأفرقاء كافة، فالرئيس سعد الحريري قال عقب انتخابات العام 2005: أتيتُ إلى الشمال نائباً وعدتُ زعيماً، كذلك القوات اللبنانية انطلقت نيابياً من الشمال بأربعة مقاعد في بشري والكورة والبترون عام 2005 أما التيار الوطني فقد ثبَّت مقولته بالتمدد السياسي على صعيد لبنان عبر بوابة الشمال بحصوله على أربعة مقاعد في انتخابات العام 2018.

أما اليوم، وعلى وقع أزمة مالية واقتصادية واجتماعية ولما لها من ارتدادات سياسية هي الأسوأ في تاريخ لبنان، يستعد السياسيون، ومعهم معظم اللبنانيين المقيمين والمنتشرين، لخوض انتخابات نيابية قد تكون الأهم في تاريخه بناءً على الأمل المعقود عليها خارجياً وداخلياً في سبيل إحداث تغيير سياسي – نيابي كبير يؤسس لمرحلة جديدة في السياسة والدستور والإقتصاد.

وإذا كانت كتلة نواب الشمال تشكل نحو ربع المجلس النيابي بـ28 نائباً، فما هي خريطة توزع نواب المحافظة الشمالية في انتخابات العام 2022؟ وما هو الشعار الذي سيوحد الأفرقاء المتنافسين كافة؟

لا شكَّ في أنَّ الغموض الذي يظلّل قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري حول المشاركة في الانتخابات النيابية المرتقبة مع ما يعكسه من ارتدادات مؤثرة في توجهات الأحزاب الأخرى، وكذلك عدم وضوح خيار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ما يتعلق بخوضه الانتخابات من عدمه أو احتمالية وجهة تحالفاته طبقاً للتفاهم السياسي القائم بين رؤساء الحكومات السابقين، من شأنهما أن يحدثا انقلاباً جذرياً في المشهد السياسي اللبناني وطنياً وشمالياً، وفي حال خوضهما الإنتخابات النيابية سواء تحالفياً أم تنافسياً فلكل خيار نتائجه الخاصة.

وعليه، ووفقاً للباحث والخبير في الشؤون الإنتخابية الدكتور إيليا إيليا وفي حديثه لـ”لبنان الكبير”، فإنَّ خريطة نواب دوائر الشمال الثلاث في انتخابات ربيع 2022 – إن تمَّت – تتوزع طبقاً للشكل الآتي:

– الدائرة الأولى وتضم محافظة عكار:

١ – تيار المستقبل: 3 حواصل انتخابية: سنيان وماروني في حال تحالفه مع نجيب ميقاتي.

٢ – المقعد السني الثالث يتأرجح بين تيار المستقبل (وتحالفه) وتحالف بهاء الحريري – أشرف ريفي.

٣ – المقعد الأرثوذكسي يذهب للقوات اللبنانية في حال تحالفها مع تيار المستقبل.

٤ – التيار الوطني الحر وقوى 8 آذار يحققان حاصلين انتخابيين: أرثوذكسي وعلوي بفارق الكسر الأعلى.

– الدائرة الثانية وتضم طرابلس والمنية – الضنية:

١ – نجيب ميقاتي (في حال ترشحه) 4 حواصل انتخابية: سني، ماروني، أرثوذكسي وعلوي (طرابلس).

٢ – تيار المستقبل 3 حواصل انتخابية مع احتمال الفوز بمقعد رابع يتوقف على التحالفات الانتخابية المرتقبة: سنيان في طرابلس، سني في الضنية وسني في المنية، فالمقعد الذي تشغله ديما جمالي متأرجحٌ نتيجة الغموض السياسي الذي يعيشه جمهور المستقبل بفعل غياب الرئيس سعد الحريري والصوم الخدماتي الذي يعانيه التيار.

٣ – تحالف بهاء الحريري وأشرف ريفي: مقعد سني واحد في حال خسارة تيار المستقبل وتحالفه المقعد الرابع.

٤ – جهاد الصمد سني عن الضنية وفيصل كرامي سني عن طرابلس وفي هذا الإطار علم “لبنان الكبير” من مصدر خاص “أن حزب الله أعاد لحمة التوافق الانتخابي بينهما إلى ما كانت عليه في انتخابات العام 2018 وهو ما أراح وضعية كرامي الانتخابية”.

٥ – محمد كبارة مقعد واحد ينضم إلى كتلة المستقبل النيابية.

– الدائرة الثالثة وتضم زغرتا الكورة البترون وبشري:

١ – تيار المردة حاصلان انتخابيان في زغرتا فقط لكن في حال تحالفه مع المستقبل أو بطرس حرب وكذلك تحديد خياراته التحالفية المتعلقة بالشخصيات والبيوتات السياسية، وهنا أفاد مصدر كوراني مطلع “لبنان الكبير” أن اسم زوجة النائب والوزير الراحل فايز غصن السيدة يونا غصن بات محسوماً للترشح إن لم يطرأ أي خلاف مع شقيق الراحل على وراثته السياسية، عندها يكسب المردة مقعداً ثالثاً في الكورة.

٢ – القوات اللبنانية 3 حواصل انتخابية: 2 في بشري وآخر في البترون.

٣ – جبران باسيل في البترون يفوز بحاصل ونصف الحاصل وقد يتمكن التيار الوطني الحر من كسب مقعد آخر في الكورة بنتيجة الكسر الأكبر عندها يكون بحاجة ماسة إلى تحالفات تؤمن رافعة للائحته سواء في بشري أو في زغرتا.

٤ – ميشال معوض في زغرتا لكن في حال تحالفه مع قوى وازنة تؤمن رافعة للائحته وإلا لن يحقق حاصلاً يخوله الفوز بمقعد نيابي، وفي هذا الإطار يشدد الدكتور إيليا على أنه بإمكان معوض تحقيق حاصل انتخابي آخر في الكورة عبر تحالفه مع حزب الكتائب اللبنانية، الحزب الشيوعي، وليام طوق، مجد (بطرس) حرب، بول سالم وكلنا إرادة، وهكذا يستطيعون تهديد مقعد أرثوذكسي في الكورة ويفوزون به بنتيجة الكسر الأكبر.

٥ – الحزب القومي السوري يفوز بمقعد واحد في الكورة لكنه بحاجة للوجود على لائحة.

٦ – تيار المستقبل مقعد واحد في الكورة بالتحالف مع القوى التغييرية الجديدة أو تيار المردة أو القوات اللبنانية.

وبما أنَّ لـ طرابلس وعكار رمزيتهما الكبيرة في رسم هالة الزعامة السنية وإذا ما انسحب التفاهم السني القائم بين رؤساء الحكومات السابقين على صيغة تحالفية – انتخابية بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري يقول الدكتور إيليا إنه إذا ما قرر الرئيس نجيب ميقاتي عدم خوض الإنتخابات النيابية وبالتالي اتفق مع الرئيس سعد الحريري على تشكيل لائحة مشتركة من شخصيات طرابلسية وعكارية وازنة من البيوتات السياسية والعائلات التاريخية ذات الثقل الانتخابي والمالي من شأنهما أن يحصدا قرابة الـ 12 مقعداً يتوزعون وفق الشكل الآتي:

١ – طرابلس 4 سُنَّة مع محمد (أو ابنه كريم) كبارة، من ضمنهم خلدون الشريف الذي يتواصل مع الرئيس ميقاتي في هذا الخصوص وفق مصدر مطلع لـ لبنان الكبير”، ماروني، علوي وأرثوذكسي.

٢ – الضنية مقعد سني.

٣ – المنية مقعد سني.

٤ – عكار مقعدان سنيان وماروني.

ويبقى اللعب التحالفي والرقمي قائماً على المقعد الأرثوذكسي في عكار.

وبالعودة إلى الكورة في دائرة الشمال الثالثة حيث من المتوقع أن تضع معارك انتخابية ضارية رحالها في هذه المنطقة ذات المقاعد الأرثوذكسية الثلاثة التي تخوض فيها الأحزاب كافة معركة إثبات الوجود، فيرى الدكتور إيليا أنه بإمكان القوات اللبنانية في حال تخليها عن مقعدها في البترون لصالح مرشحها فادي كرم في الكورة أن تجير أصواتها لصالح حليفين من خطها السيادي نفسه كتيار المستقبل في الكورة وبطرس حرب في البترون أو القوى التغييرية الجديدة أو ما يُعرف بـ قدامى الأحزاب التقليدية (أي المنشقين عن الأحزاب)؛ فالقوات بتحالفها هذا تتمكن من تحقيق 5 حواصل انتخابية مع المستقبل وحرب أو القوى التغييرية، وفي حال أصرت على فوز فادي سعد في البترون فإنها لن تستطيع إيصال فادي كرم في الكورة ذلك أنَّ حواصلها الانتخابية في هذه الدائرة هي 3 مقاعد وبالتالي تضيع الأصوات التي بإمكانها أن تجيرها لصالح قوى سيادية في الكورة.

أما في ما يتعلق بالقوى الثورية ومجموعات 17 تشرين وغيرها من الحراك المدني فلن يستطيعوا إحداث أي خرق نيابي ما لم يتوحدوا ضمن لائحة واحدة على مستوى الدوائر الإنتخابية كافة، أو بإمكانهم التحالف مع بعضٍ من قوى السلطة الأقرب إلى طروحاتهم التغييرية أقله كي يتمكنوا من بلوغ سدة المجلس النيابي.

وإذا كان السياسيون والأحزاب والمجموعات الثورية كافة يخوضون معركة إثبات الوجود عبر انتخابات نيابية ليس مؤكداً أن تُجرى في موعدها طبقاً لأهواء بعض الداخل الذي يرى مصلحة في عدم حصولها نتيجة ترهلات تنظيمية، مالية وشعبية أصيب بها بفعل أهوال الأزمة المالية والسياسية التي عصفت بلبنان مما انعكس تسرباً ويأساً عند كثير من المؤيدين والمنظمين الحزبيين، يبقى السؤال أخيراً أي واقع سياسي ينتظر لبنان في ربيع العام 2022؟ وأي مشهد انتخابي سيرتسم بين بعض قوى السلطة التي تتنصل من هويتها السياسية التقليدية سعياً وراء تحالف مع قوىً ثورية وبين مجموعات تغييرية ترفع شعار “كلن يعني كلن” تتحايل في التحالف مع قوى وأحزاب السلطة بهدف الوصول إلى البرلمان؟

شارك المقال