روسيا وأوكرانيا: حرب أم خدعة؟

حسناء بو حرفوش

كتب المحلل والعالم السياسي جورج فريدمان في موقع “جيوبوليتيكال فيوتشر” (Geopolitical Futures) الإلكتروني الشهير بتحليلاته الجيوسياسية:

“(…) عندما انهار الاتحاد السوفياتي، فقد السيطرة على الأراضي الحدودية الغربية التي شكلت حجر أساس لأمنه على مدى مئات السنين. وكانت تلك المناطق الحدودية قد خلقت عمقاً استراتيجياً يخدم روسيا وقدرتها على المقاومة من خلال إجبار الغزاة على الانخراط في حملة طويلة تستنزف قواهم. وتعرضت روسيا لأكثر من هجوم في القرن الثامن عشر من السويد، والتاسع عشر من فرنسا، والعشرين من ألمانيا. هذا بالإضافة إلى الحروب مع تركيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي عام 1991، باتت هذه المناطق الحدودية مستقلة، وسعى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، من وجهة النظر الروسية، للسيطرة على الدول المشكلة حديثاً. وليس ذلك بأقل من تهديد وجودي لروسيا.

(…) وتعتبر روسيا أنها معرضة للخطر، تحديداً من الغرب، إذ تأتّت أخطر التهديدات تاريخياً. وتقع بيلاروسيا وأوكرانيا في قلب المخاوف الروسية، فالحدود الأوكرانية لا تبعد سوى بضع مئات من الأميال عن موسكو، وتالياً فهي تشكل تهديداً كبيراً إذا سقطت في أيدي الأعداء (…) ومن وجهة النظر الروسية، تشير عدم رغبة الولايات المتحدة بالاعتراف بهذه المخاوف العميقة إلى امتلاك الولايات المتحدة خططاً عدوانية وخطيرة. فالقيمة الوحيدة التي قد تمثلها بيلاروسيا وأوكرانيا للأميركيين هي وضع روسيا في موقف تدفعها فيه الولايات المتحدة للاستسلام في جميع الأمور الحاسمة أو المخاطرة بغزو صريح. فحيث قد لا يكون للولايات المتحدة مصالح سائدة، تتمسك روسيا بمصالح وجودية.

لذلك يجب على روسيا التحرك وقد قامت بذلك بالفعل في بيلاروسيا. العام الماضي، فاز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في انتخابات حامت حولها الكثير من الشكوك والانتقادات. وتدخل الروس لإنقاذ لوكاشينكو وهم الآن يسيطرون بفعالية على بيلاروسيا، وبالتالي تأمن شمال أوروبا، وهو طريق الغزو الأساسي من أوروبا إلى موسكو. وهذا يترك أوكرانيا، الدولة الأكبر والأكثر أهمية، في مرمى النيران الروسية. ويبدو أن روسيا حشدت قوة يُعتقد أنها كبيرة على طول الحدود الأوكرانية. إذا كان الهدف هو احتلال أوكرانيا، فلن تكفي هزيمة الجيش الأوكراني، لكن بالإمكان فعليًا احتلال مناطق رئيسية في البلاد (…) وإذا صحت التقارير، فهذه لعبة محفوفة بالمخاطر.

ومن الواضح أن خطة الحرب الروسية سرية، لكن الحكومة الأوكرانية أعلنت وجهة نظرها حول كيفية تنفيذ أي غزو روسي. وهي ترتكز الى ثلاث توجهات تهدف إلى عزل واحتلال كييف: شمالاً من شبه جزيرة القرم، وجنوباً من بيلاروسيا وغرباً من فولغوغراد (…) مع الإشارة إلى ثلاثة مشاكل متعلقة بالاستراتيجية. المشكلة الأولى لوجيستية. وستشارك هذه القوات متعددة الفرق في مناورات ومعارك ضخمة (…) كما تتطلب المراحل كلها كميات هائلة من البترول وكميات كبيرة من الذخائر من جميع الأنواع، عدا عن فترات التوقف المحتملة وغير المنسقة على مستوى التقدم، مما يترك الأجنحة الروسية مفتوحة.

القضية الثانية التي يجب التوقف عندها هي الحرب المعقدة وتعدد الجبهات علماً أن الروس لم يخوضوا معركة متعددة الفرق مثل هذه منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن جيشهم مؤهل، لم يقم أي من قادتهم بقيادة هذا النوع من المعارك. وتعتبر المناورات والألعاب الحربية ذات قيمة، لكن تحتاج القوة غير المختبرة التي تتعرض لإطلاق النار لأول مرة إلى هيكل قيادة متطور للغاية. وهذا ما لن يتأكد منه الروس قبل التجربة.

أما المسألة الثالثة فتتعلق بالأميركيين، الذين ربما لن يحاولوا عرقلة التقدم بقواتهم. الوقت جوهري (…) ويمكن للولايات المتحدة نقل القوات البولندية على سبيل المثال للتسبب باحتكاك مع القوات الروسية (على افتراض أن البولنديين مستعدون). لكن في حال اختارت واشنطن إرسال قواتها الخاصة، ستجبر روسيا على خوض معركة واسعة النطاق وفقاً لجدول لم تستعد له. لكن التهديد الأهم من الجانب الأميركي سيتمثل بالقوة الجوية والصاروخية، التي تستهدف العقد اللوجيستية (…) وسيحتاج الروس إلى استباق ذلك من خلال القضاء على المنشآت الجوية والصاروخية الأميركية، على الأرجح على نطاق عالمي. وسيؤدي ذلك إلى تصعيد الحرب وصولاً إلى حرب عالمية (…) وتعترف الولايات المتحدة بالتهديد الروسي، أو تريد على الأقل أن تصدق روسيا ذلك. وتؤكد تصريحات الرئيس جو بايدن بشأن هذه المسألة على إشارات القلق من التدخل الأميركي في حال ضربت روسيا. ويجب أن يأخذ الروس هذا الاحتمال على الأقل، في الاعتبار خلال تخطيطهم للحرب، لأن التداعيات العسكرية والسياسية للتدخل الأميركي تقلل من إلحاح المطالبة بأوكرانيا كمنطقة عازلة.

وبطبيعة الحال، لا يقتصر خطر الغزو على هذه الاستراتيجية. إذا كانت روسيا تعتزم احتلال أوكرانيا (…) قد يستلزم ذلك ببساطة الاستيلاء على جزء من أوكرانيا في الشرق أو الشمال. وترد الولايات المتحدة الحريصة على تجنب الحرب في وسط أوراسيا، فقط بفرض عقوبات عندما تجد التهديد تافهاً (…) ومن المؤكد أن التهديد بأكمله قد يقتصر على مجرد محاولة لاختبار بايدن. وكان اختبار رئيس جديد أمراً روتينياً سوفياتياً خلال الحرب الباردة (…) وقد تدحض العديد من الحجج وجهة نظري القائلة بأن الغزو الكامل لأوكرانيا أمر معقد ومحفوف بالمخاطر. ولا يستطيع الروس تحمل هزيمة بينما يحاولون تأمين أوكرانيا ضمن الواقع الجيوسياسي الحالي. ولدى الروس الوقت للتحرك خصوصاً أن بوتين، الذي يتوق لاستعادة الحدود السوفياتية السابقة مستعد للمخاطرة من أجل المجد. ومع ذلك، فإن عناصر المخابرات السوفياتية مدربون على توخي الحذر. لذلك يبقى الرهان على أن هذه التهديدات ليست أكثر من خدعة، ومع ذلك الحذر واجب”.

شارك المقال