السلطة السياسية بين التمديد والتجديد

عاصم عبد الرحمن

يسود اعتقادٌ لدى شريحة واسعة من اللبنانيين ومعهم قوىً خارجية على دراية بخفايا كواليس السياسة اللبنانية، أن الاستحقاق النيابي المرتقب في ربيع العام 2022 يسير نحو تمديد محتم قد لا يتعدى العام الواحد أو ربما أكثر على اعتبار أن هذه المدة قد تكون كافية لتمرير الفترة الانتقالية ما بين الخراب الواقع وأولى خطوات التسوية الشرق أوسطية المنتظرة من فيينا إلى إسرائيل مروراً بتركيا وإيران والخليج العربي والذين لكل منهم دوره الحاصل أو المحصل سواء في العراق، سوريا، اليمن، لبنان وحتى فلسطين المحتلة بأكثر من رعاية دولية بين قوى الأمر الواقع كالولايات المتحدة وقوة الأمر الواقع كروسيا ولاعبي الأدوار الموزعة كبعض دول الاتحاد الأوروبي، أما الشعب العربي برمته فيقتصر دوره على الانتظار عند قارعة التسويات الكبرى بينما الكبار غارقون في توسيع بيكار حدود النفوذ السياسي والاقتصادي وغيره.

وفي الوقت الذي تعيش فيه المنطقة فوق أمواج المد والجزر التفاوضي الأميركي – الإيراني، تستمر معاناة اللبنانيين جراء الجوع والمرض وهيستيريا مشقات الحياة اليومية، وينخفض منسوب الاهتمام بإجراء الإنتخابات النيابية إذ يعتبر كثيرون أن أي مجلس نيابي جديد سيكون أشبه بحكومة نجيب ميقاتي المعطلة والتي أتت كبديل أصيل لتصريف الأعمال عن حكومة حسان دياب. فالذهاب إلى انتخابات نيابية ببطون خاوية وعقول تائهة في رحلة البحث عن بقايا مقومات الحياة لن يؤدي إلى ما ترغب به قوىً خارجية تتطلع إلى قلب ميزان الأغلبية النيابية وقوىً داخلية تعتقد بالانتقام من منظومة سياسية حكمتها بسيف الفساد والإفقار، فهل يشكل التمديد للمجلس النيابي الحالي مدخلاً لوضع الأزمة اللبنانية على سكة الحل؟ أم للحلول السياسية أبوابٌ أخرى؟ وأين الاستحقاق الرئاسي من خطوة التمديد في حال حصوله؟

بعد نقولا فتوش الذي تقدم باقتراح قانون التمديد للمجلس النيابي عام 2013 ثم تقدم باقتراح قانون مماثل عام 2014 إلى أن أجريت الانتخابات النيابية عام 2018 وفق قانون إنتخابي يعتمد النسبية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، ها هو اليوم جهاد الصمد يتلفظ بأولى كلمات التمديد للمجلس الحالي، فقد قال منذ أيام في لقاء تلفزيوني: “إن التصويت على قانون الانتخابات في نسخته المعدلة غير قانوني لأنه تضمن سلسلة أخطاء وهفوات شملت المهل القانونية التي سَهَى عنها المشرعون الأمر الذي جعله عرضة للطعن في أكثر من نقطة”. ثم أردف: “ثمة مشكلة ستفرض حضورها وتتصل بآلية تطبيقه في هذه الحالة مع احتمال عدم مشاركة المغتربين أو سنضطر إلى ‘التمديد’ من أجل إيجاد آلية لتمكينهم من المشاركة”. فهل يكون الصمد فتوش آخر يمهد لطرح تأجيل الانتخابات ريثما يهدأ الجنون اللبناني متعدد الأوجه السياسية والمالية والاجتماعية وغيرها؟

ولا شك في أن النائب جهاد الصمد يمثل فريقاً نيابياً كبيراً صاحب مصلحة في التمديد للمجلس النيابي الحالي لغايات متعددة في نفوس أفرقاء عدة، لكن الأهم هو أن قوى السلطة تعاني ترهّلاً مالياً يعيقها عن القيام بحملاتها الانتخابية ذات الطابع الإنفاقي الضخم، ثم إنها تخشى تغييرات محتملة في خيارات الناخبين الذين ضاقوا ذرعاً بأداء السلطة على مدى سنين طوال، وهي بذلك تحافظ على مكتسباتها الحالية علّها تفاوض بما ملكت أيمانها في الاستحقاق الرئاسي المقبل.

وعلى المقلب الآخر، هناك القوى التغييرية التي تتشبث بخيار إجراء الإنتخابات مهما بلغت الضغوط الداخلية التي قد تحول دون سلوك الاستحقاق الموعود طريقه ضمن المهل القانونية أي قبل 31 أيار 2022 تاريخ انتهاء ولاية المجلس الحالي، وهذه القوى إذ تراهن على الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي من أجل الالتزام بالمواعيد الدستورية، هناك تجربة لا تزال شاخصة أمام عيون الرأي العام اللبناني عام 2013، فهذه الضغوط والتحذيرات هي عينها أطلقت ليلاً ونهاراً ووزعت يميناً شمالاً ثم بقيت حينها حبراً على ورق المصالح التسووية وتناثرت في مهب رياح اتفاق الأفرقاء اللبنانيين على نسف الانتخابات النيابية رأفةً بالأوضاع الأمنية المتردية كما برّر فتوش في المادة الوحيدة التي تضمنها مشروع قانون التمديد لمجلس النواب. أما اليوم، وعدا الأزمة المالية التي يتخبط فيها اللبنانيون كافة، هناك الظرف الصحي القاهر والذي بإمكانه أن يتحور إلى عوائق سياسية جرثومية تمنع إجراء الإنتخابات النيابية ضمن المهل الدستورية المحددة.

وإذا كان لا بد من تحوّل التمديد للمجلس النيابي لفترة ما إلى أمر واقع وهو ليس مستغرباً في بلاد العجائب اللبنانية، بخاصة أنه من الواضح جداً أن هناك رغبة دولية في إبقاء لبنان متأرجحاً بين اللاارتطام واللاحسم، وعليه يرى مراقبون أن لخطوة التمديد إذا ما اتُّفق عليها وجهان إيجابيان ربما يرى المجتمع الدولي أن الوصول إليهما واقعٌ لا مفر منه:

1 – أن يتم التمديد للمجلس النيابي وبالتالي انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتولى قيادة ورشة إصلاح سياسي واقتصادي على اعتبار أن أي انتخابات نيابية فوق صفيح ساخن لن تغير شيئاً في الواقع اللبناني الحالي.

2 – أن يتم التمديد للمجلس النيابي للإبقاء على آخر المؤسسات السياسية التشريعية قائمة إبان الشغور الرئاسي المرتقب أواخر تشرين الأول 2022 ريثما ينضج الطبق اللبناني على مائدة مفاوضات الإقليم الجارية بين أولياء أمور الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن أمام لبنان احتمالين لا بد لهما أن يشكلا بداية حلٍّ للأزمة اللبنانية:

1 – انتخاب قائد الجيش العماد جوزف الذي يعتبر من أكثر الأسماء المطروحة للمرحلة كي يكون رئيساً للتسوية اللبنانية لما يشكله من تقاطعات دولية – عربية من شأنها أن تفضي إلى انتخابه على رأس مهمة الإنقاذ الكبير، إذ بات مؤكداً أن أي تغيير لن يتم في ما تبقى من عهد ميشال عون – حزب الله بل في بداية عهد يُراد له أن يبنيَ لبنان الجديد الذي ينتظره اللبنانيون والعالم، ثم يتولى هذا الرئيس لاحقاً إجراء انتخابات نيابية في ظروف سياسية واقتصادية هادئة عندها يتمكن الناخبون من الاقتراع وفق وعي سياسي تام يختار مشروعاً يدرس جوانبه بعناية بعيداً عن الإنفعال والتسرع نتيجة الغضب حيال السلطة إذ من الممكن أن يؤدي الجوع الذي يعانيه اليوم إلى تحديد خياراته الانتخابية مما يفسح في المجال أمام المال السياسي متعدد المصادر الداخلية والخارجية.

2 – عقد مؤتمر دولي يبحث مسألة سلاح “حزب الله” الذي فاق حلُّه طاقة اللبنانيين بخاصة إنه بات مشكلة إقليمية شديدة التعقيد ويؤدي إلى المزيد من تفاقم الأزمات اللبنانية سواء في اختطاف القرار السياسي الداخلي أو في تحطيم العلاقات اللبنانية – العربية، وبالتالي جعل لبنان منصةً لتصفية الحسابات الإقليمية وتخطيط المشاريع التوسعية. كذلك، البحث في أزمة النظام السياسي على غرار اتفاق الطائف عام 1989 وإيجاد صيغة سياسية جديدة أو إدخال تعديلات على الدستور القائم، تطويره أو تطبيق كامل مندرجاته وذلك من شأنه أن يمنع إدخال البلاد في أزمة حكم عند أي استحقاق سياسي أو دستوري بذريعة الميثاقية تارةً والتوافق تارةً أخرى.

عندئذٍ تصبح الأجواء السياسية مهيأة لإنتاج سلطة جديدة متحررة من هيمنة السلاح تتولى بناء دولة حديثة قوامها المواطنة وعيشُ مشتركٍ حقيقي.

وإذا كان التمديد للمجلس النيابي ذا إيجابيات لا يمكن إغفالها، فإن عدم إجرائها وفق المهل الدستورية من شأنه أن يؤدي إلى تمدد التمديد نحو رئاسة الجمهورية الذي يعارضه السواد الأعظم من اللبنانيين، فأي حيلة ستكون في يد أخصام التمديد للسلطة وأنصار تجديدها؟

ربما سيرسم المجلس الدستوري بنتيجة قراره حول الطعن المقدم أمامه خريطة مسار الاستحقاق المنتظر، ويبقى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل المفتاح الذي يحتاجه سمسم لإزاحة صخرة الانهيار وفتح باب الحلول أمام اللبنانيين على السواء.

شارك المقال