أزمة حلفاء فاشلين!

علي نون
علي نون

قد يكون الاختلاف الراهن بداية افتراق بين جماعة ميشال عون وحزب ايران، وقد لا يكون، لكن ما يحصل بينهما هو الطبيعي وما حصل منذ خمسة عشر عاما وسمي تفاهما، ليس كذلك.

خلاف في وجهات النظر ازاء عناوين سياسية حارة، تطور ويتطور الى اختلاف، ثم قد يذهب الى افتراق ثم خناق ثم اختناق وصولا الى تثبيت خلاصة تقول ان عقد زواج المتعة آيل الى الانتهاء! وان كل طرف عائد الى “بيته” وأصوله وقناعاته الاولى والصافية بعد ان اخذ ما يريد واكتفى!

“التفاهم” الذي اعلن في كنيسة مار مخايل في شهر شباط (فبراير) عام ٢٠١٦ بين الطرفين، كان ولا يزال صفقة سياسية نظمت تبادل خدمات اكثر من كونه اي شيء آخر… هو تفاهم بين نقيضين لا يلتقيان سوى بالخصال الانتهازية: ميشال عون أراد الوصول الى الرئاسة وتغيير اصطفافه “الطبيعي” في سبيل هدفه. وحزب ايران أراد غطاء مسيحيا لدوره وسلاحه اولا وأساسًا… ثم أراد لجم هجمة السياديين في ١٤ آذار وكسر موجتهم العالية التي أنهت عصر الوصاية الاسدية وأظهرت حسّا وطنيًا عابرًا فوق المذاهب والطوائف.

والطرفان نجحا في ذلك… اخذ عون جمهوره الى المستحيل ولم يرفّ له جفن. بدءًا من قبوله تغطية سلاح غير سلاح الدولة (واي سلاح!؟) ثم شروعه في بلع تاريخه التعبوي عن الحزب عينه وعن عقيدته الدينية وارتباطه الايراني، ثم انتقاله دفعة واحدة الى مدافع تارة ومتفهم طورا، لما يحمله ذلك الحزب في يده وعقله على حد سواء… وذلك الحمل لا يتناقض مع كل ما اعتنقه عون على مدى تاريخه المعروف فقط، بل يتناقض بالشكل والمضمون مع “كل” الجمهورية وجلّ اهلها! اضافة الى كونه جزءا من مشروع خارجي خطير بكل معانيه ومندرجاته وتطبيقاته: سياسيا وامنيا وثقافيًا واجتماعيًا، عدا عن انه تهديد غير مسبوق لعلاقات لبنان عربيا ودوليا مثلما يتبين هذه الايام بالتمام والكمال!

لم يتوقف عون عند أي شأن او جزء من ذلك المشروع الذي يعبر عنه “حزب الله” طالما ان الهدف الوصولي الاول له صار ممكنًا وخصوصا انه عبر اليه آنذاك من بوابة سوريا، وهذه عند عون وأتباعه كانت السبب الوحيد لكل النكسات والكوارث التي اصابتهم وأصابت لبنان… ومركز التهديد الفعلي للكيان الوطني والسيادة الترابية والحدود الدولية والنظامية ودور الدولة ومؤسساتها الشرعية والدستورية… كانت سوريا الأسدية في البيان التعبوي العوني، تهديدا وجوديا تاما وليس أقل من ذلك! وعلى الرغم من هذا ذهب عون الى “تفاهم” غير معلن مع تلك السوريا قبل ان يصل الى التفاهم المعلن مع وريثها ذي الارتباط الايراني في لبنان!

أخذ منها ومن حزب إيران ما أراد، لكنه لم يكتف بذلك مثلما يتبين راهنا بل يفترض إن ديونه المستحقة لم تدفع له كاملة بعد! وان الدفعة الجديدة المستحقة يجب ان تسدد لوريثه وصهره جبران باسيل!

الصورة عند الجانب الآخر من تفاهم مار مخايل كانت شبيهة في عناوينها الانتهازية وبعدها عن الطبيعي والمنطقي: حزب ايران قفز فوق بيانه التأسيسي وأدلجته الاسلاموية وإرثه التعبوي الحاد في تعبيراته وسلوكياته، والتقط “فرصة” ميشال عون! فأخذها بحرارة! واستغلها بشطارة! وفي هذا استعان على سعيه، بعلم النفس كما بضروب ميكافيلية وبراغماتية هي من حيث المبدأ، يفترض ان تكون خارج أدبياته الفقهية والاجتهادية!

وضع على الرف هدف الوصول الى دولة اسلامية تكون جزءا من جمهورية أشمل وأوسع يقودها الولي الفقيه من طهران، مثلما تناسى لغوياته عن “الحالة الاسرائيلية”… مثلما تغاضى عن كل أداء ميشال عون في سنوات المنفى ووصوله الى الكونغرس الاميركي وجهوده الدؤوبة “لتوعية” الغرب عموما والاميركيين خصوصا بخطورة وصول سلاح إيران الى شواطئ البحر المتوسط! وللمرة الاولى وربما الأخيرة، تصرف “حزب الله” كحزب سياسي عادي: يساوم ويهادن ويبيع ويشتري ويناور تحت سقف الضرورات التي تبيح المحظورات! ونجح في سعيه! واخذ من عون اكثر مما أعطاه. وفي الواقع فان الحزب أخذ غطاء مسيحيا مهما بداية، ثم غطاء شرعيًا اكثر أهمية في مقابل ثمن لم يدفعه من كيسه بل من كيس كل اللبنانيين! وليس فتحا في التحليل الافتراض ان ذلك الحزب استفاد من خبرة السوريين وبعض أتباعهم في لبنان للوصول الى الكمال في عمليته النوعية مع الحالة العونية .

زواج المتعة يترنح هذه الايام. وليس في اسباب ذلك الترنح ما يشير الى مجرد مناورات يجريها الجانب العوني من اجل العودة الى رفع أسهمه المنهارة عند المسيحيين (وعموم اللبنانيين) بل يبدو ان الخطب جلل! عون يريد شيئين كبيرين وشبه مستحيلين من حزب ايران: الاول رعاية مسار الصهر باسيل الى الوراثة الرئاسية، والثاني الشروع في الانفكاك عن ثاني التركيبة الشيعية، اي حركة “امل “ورئيسها نبيه بري، لكن ليس من اجل تصفية حسابات كيدية قديمة معه فقط بل من اجل تمهيد الطريق الى الهدف الرئاسي الاول استنادا الى فرضية مؤداها ان كسر الحلقة الحديدية التي تربط الثنائي الشيعي هو في الواقع، كسر لكل المواقع التي تهدد المشروع الباسيلي في الجانب المسيحي الماروني باعتبار ان الرئيس بري هو، وليس حزب ايران، السدّ الذي يمنع مياه الوريث العوني من الوصول الى مصبّها الاخير في قصر بعبدا من خلال “حمايته” لكل من يستهدفهم ذلك الطامح الجامح الى الوراثة، اضافة الى موقفه الاصلي المضاد بعنف وتاريخيا للحالة العونية.

لكن السعي العوني الباسيلي ذاك، الذي يستند في بعض تخرصاته الى دعم من بشار الاسد(!) لا يفعل في الواقع سوى ادانة نفسه بنفسه من خلال “تذكير” حزب إيران بانه حالة غير مقبولة في لبنان! وغير مقبولة أساسًا عند المسيحيين! وإن تفاهم مار مخايل كان مخالفا للمزاج المسيحي اصلا! وأن التخلص منه الآن صار جواز مرور للمكان الآمن مسيحيًا ولبنانيًا (وعربيا ودوليا) وإن تجنب ذلك الضنى ممكن اذا وصلت التركة العونية الى وريثها الشرعي… لكن اليوم ليس الامس! وحتى لو اراد حزب إيران ان يتصرف وفق عادته ويضع مصلحته ومصلحة رعاته فوق كل شيء، فهو لن يستطيع ان يعطي عون وصهره ما يريدانه! عدا عن انه غير مستعد لفتح حرب اهلية شيعية من اجل ارضائهما! ويضاف الى ذلك ان كيس اللبنانيين الذي غرف منه ليدفع ثمن حساباته وسياساته، صار فارغا تماما… والمفاوضات الدولية مع ايران تتصل بمصير إيران عينها قدر إتصالها بأبعادها الخارجية… بمعنى ان رفع العقوبات عنها لن يكون في مقابل عودتها الى الاتفاق النووي فقط بل عودتها الى “التنفس” ماليا واقتصاديا وابتعادها بالتالي عن احتمال مواجهتها تحركات داخلية جدّية للغاية! وهذا في حال نجاح المفاوضات في فيينا! في حين ان فشلها سيفتح احتمالات مواجهات غير مسبوقة خارجيًا… وفي الحالتين فان سقف التفاوض اليوم ادنى من ذلك الذي كان في أيام السيء السمعة والصيت باراك اوباما!

واكثر من ذلك: حتى لو نجحت مفاوضات فيينا، فإن تبعاتها المحلية لن تصل الى حد قبول اي طرف محلي او اقليمي باستمرار الحالة العونية في بعبدا! والعقوبات الاميركية على مسيو باسيل تحديدا وشخصيا لا يمكن اعتبارها عاملا مساعدا له في طموحه السياسي، بل في حياته السياسية بجملتها!

المشكلة بين طرفي ذلك التفاهم المترنح ستكبر ولن تصغر… نجحا سابقا، كلٌ في حساباته وغاياته الذاتية، لكن البلد طار برمّته ويكاد يندثر، وهما في هذا السياق وليس خارجه، سيدفعان معا اثمانا خاصة لذلك الفشل العام، لكنهما لن يقطعا الخيط الباقي بينهما، أقلّه الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة… مبدئيا.

شارك المقال