كان الله في عون باسيل…

حسن الدّر
حسن الدّر

قال أبو الفلسفة الحديثة “رينيه ديكارت” عبارته الشهيرة: “أنا أفكر إذا أنا موجود”، ثمّ جاء بعده الفيلسوف والقديس “أوغسطين” ليقول: “أنا أخطئ إذا أنا موجود”.

لقد فهم القديس أوغسطين أن الخطأ ليس أمرا محرجا؛ بل هو أمرٌ طبيعي وضروري لمن يحمل في نفسه معاني الشجاعة والثقة والتصالح مع الذات.

وفي هذا السياق، يقول العالم البريطاني “السير ويليام غروف”: “الاعتراف بالأخطاء هو دليل على القوة والنضج والإنصاف، وهذا ما أكده المتخصص في التنمية البشرية “ديل كارنيجي” إذ قال: “أي شخص يمكنه أن يحاول الدفاع عن أخطائه (وهو ما يفعله جبران باسيل) ولكن مما يضيف لقيمة الشخص ويعطيه شعورا بالنبل والبهجة أن يعترف بأخطائه” (وهذا ما لا يفعله جبران باسيل)!

تكفي مراجعة بسيطة لواقع التيار الوطني الحر منذ عام 2016 إلى اليوم للدلالة على تراكم الفشل في إدارة الدولة ومؤسساتها، وعلى الرعونة في التعامل مع الحلفاء والخصوم.

فالعهد الذي حكمَ على أساس التفاهم مع حزب الله في مار مخايل مضافا إليه اتفاق معراب مع سمير جعجع والصفقة الرئاسية مع سعد الحريري ومع مساكنة وليد جنبلاط، أمّن للرئيس ميشال عون وفريقه غطاء وطنيا جامعا لكلّ الأطياف السياسية والطوائف اللبنانية، وقدّم فرصة حقيقية لبناء الدولة وتصحيح مسارات خاطئة في الكثير من الملفات السياسية والإدارية والاقتصادية، إضافة إلى تهيئة أرضيّة اجتماعية صلبة بدأت بكسر الحواجز النفسية مع الطائفة “الشيعية” جرّاء اتفاق مار مخايل، وترميم البيت “الماروني” الداخلي جرّاء اتفاق معراب.

لكنّ العهد وفريقه، الذي يرأسه جبران باسيل، فرّط بكلّ أوراق القوّة الّتي امتكلها تحت شعار “العهد القوي” ومارس مفهوم القوة بالاستئثار والكيدية ومحاولة التفرّد بالسلطة، بدلا من اعتماد اسلوب الحكمة في استيعاب الآخرين ومراعاة خصوصيات الواقع اللبناني القائم أساسا على توازنات طائفية وسياسية دقيقة لا ينفع معها إلّا المشاركة والوقوف على هواجس المكوّنات المتباينة.

وبسبب طبيعة جبران باسيل الشخصية وأدائه الفظّ في العمل السياسي تفرّق الحلفاء، فسقط اتفاق معراب وسقطت التسوية الرئاسية ولم يبقَ معه سوى حزب الله الذي بنى تفاهمه معه على أسس وطنية استراتيجية بعيدا عن المصالح والتسويات والصفقات الداخلية، ولولا ذلك لانتهى التفاهم منذ زمن، وبدأت مرحلة الانحدار وصولا إلى حراك 17 تشرين عام 2019 وما تبعه من انهيار شامل على جميع الأصعدة!

لن ندخل في تفاصيل ما قاله باسيل أمس، فهو لم يأتِ بأكثر ممّا تناوب على ترداده عدد من قياديي تياره والناشطون العونيون عبر وسائل التواصل.

وكل ما قاله يؤكّد نهج المكابرة والعناد الذي يتّسم به، فبدلا من أن يقوم بمراجعة موضوعية يعترف بها بأخطائه ويحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كرّر ذات المعزوفة المملّة الّتي سئم اللّبنانيون سماعها، متنصّلًا من أيّ مسؤولية، فهو وحده، بنظره، المصلح والوطني والمحقّ و”كلن الا هو” فاسدون وطائفيون ومخطئون بحق الوطن والناس!

أذكر هنا قصة واقعية يرويها كبار قريتنا عن امرأة اختلفت مع أحد جيرانها حول حدود الأرض المشتركة بينهما، فلجآ إلى القضاء، وعند جلسة المحاكمة استمع القاضي إلى الشهود، وهم بطبيعة الحال من أهل القرية، فشهدوا ضدّ المرأة، فما كان منها إلّا أن قالت للقاضي، تريد استعطافه: “يا حضرة القاضي كل الضيعة ضدي”، فابتسم القاضي وقال لها: “اذا كل الضيعة ضدك أنا كمان ضدك”.

وفي حالة الوزير باسيل، عليه قبل أن يتهجم على حزب الله بحجّة خرق تفاهم مار مخايل، أن يسأل نفسه أولا: من معه ومن ضده؟!

أمام الوزير باسيل انتخابات نيابية مفصلية تضعه هو وتياره على المحكّ، وإذا كان حزب الله قادرًا على استيعاب تجنّيه عليه وأخذه على محمل الوفاء لخياراته الاستراتيجية، فإنّ ما تبقى من رصيد رئيس الجمهورية في بيئته لم يعد قادرًا على تحمّل تناقضاته وعناده ومكابرته التي أدّت إلى موجة هجرة كبيرة مشابهة لتلك التي أعقبت حربيّ الالغاء والتحرير..

أمّا عن تخييره الحزب بين التفاهم والثنائية وتصويره بأنّ حزب الله مكره على التحالف مع حركة أمل، فالسيد حسن نصرالله يذكّر اللبنانيين دائما بعمق التحالف حد التكامل، وباسيل نفسه يعلم بأنّ هناك تنسيقًا دائما وانسجاما كاملا بين قيادتي الثنائي، وليس توزيع أدوار كما ادّعى أمس.

أعان الله اللبنانيين من آثار تسعير الخطاب السياسي قبل الاستحقاق النيابي، وكان الله في عون باسيل على الضعف الذي وصل إليه في نهاية “العهد القوي”!

شارك المقال