ما بين بهاء وسعد ليس حرب الوردتين!

عاصم عبد الرحمن

يوم اختير سعد الحريري لمتابعة المسيرة السياسية لوالده الشهيد كوريث سياسي بإجماع العائلة، لم يكن قراراً وليد تلك اللحظة وإن تمَّ عقب اغتيال رفيق الحريري عام 2005، فلطالما أوكل الحريري الأب ولده سعد مهمات سياسية ديبلوماسية أثارت إعجاب كثيرين أبرزهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك لما كان يظهره من حنكة تكتيكية وذكاء استراتيجي تميز بأداء هادئ هو ما يتطلبه العمل السياسي في بلد متعدد سياسياً وطائفياً ومذهبياً مثل لبنان، وقد رافقه برحلات سياسية عديدة أبرزها إلى إيران (1997) وسوريا الدولتين الأكثر تأثيراً في عمق السياسة اللبنانية. عندها مضى أفراد العائلة كلٌّ في طريقه يلملمون جروحاً خلَّفتها جريمة لم يحسب العالم بأسره أن تطال يوماً جبين مارد في السياسة والإقتصاد والمجتمع…

حمل بهاء رفيق الحريري حقائب التجارة والأعمال مسافراً في رحلة الأموال ليبني عالمه التجاري الخاص، لم يلتفت إلى مسرح السياسة اللبنانية الذي استجد إثر اغتيال والده حيث دخل التاريخ اللبناني الحديث منعطفاً تشظت آثاره خارج الحدود، ومشى…

حمل سعد رفيق الحريري كرة نار التحول السياسي اللبناني الكبير ولم يمشِ، استحقاقات كبيرة واجهها برفقة فريق 14 آذار أعظمها: مسلسل الاغتيالات الكبير، حرب تموز، تشكيل المحكمة الدولية، أحداث 7 أيار، إنقلاب القمصان السود وتداعياته السياسية التصدعية، شظايا الحرب السورية وليس آخراً الحكم الصادر عن المحكمة الدولية باغتيال والده وصموده في التعامل معه تحت سقف ربط النزاع المحلي والعربي والإقليمي.

ولا تنتهي سلسلة الاستحقاقات التي واجهتها قوى 14 آذار وعلى رأسها قيادات تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري المعني الأول في إدارة ليس الشؤون السياسية فحسب، بل كان لزاماً عليه السير بين خلافات واختلافات العائلة الحريرية.

حمل سعد رفيق الحريري دمه على كفه متنقلاً بين أداء الواجب السياسي في تأمين مصالح البلاد السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج، محافظاً على إرث الوالد، حامياً لذكراه في محطات 14 شباط ومستنيراً طريقه من قبس الضريح.

أما بهاء رفيق الحريري فقد نسيه الحريريون واللبنانيون الذين إن تابعوا أخباره يجدونها في صفحات الزواج والتجارة والأعمال. محطتان بارزتان عُرف فيهما بهاء: الأولى إبان أزمة سعد الحريري في السعودية عام 2017 حيث أعدَّ يومها العدة لإزاحته والجلوس مكانه، وكان قد مهّد لذلك بلقاء غير مثمر مع وليد جنبلاط ثم خمدت ناره، أما الثانية والتي تمثلت بالظهور الأقوى لحظة اندلاع ثورة 17 تشرين وانهيار التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر عام 2019.

هكذا حطّت رحال بهاء الحريري في لبنان حيث أتى على أجنحة الإنتفاضة ليظهر داعماً مؤازراً لا بل زعيماً موعوداً، وعبر وسائل التواصل الإجتماعي أطلق بهاء حالته السياسية المفترضة من بوابة مجتمع منهار إقتصادياً وإعلام مأزوم مالياً، فأطلق محطة صوت بيروت الدولية وحركة سوا لـِ لبنان ليخوض من خلالهما الاستحقاق التغييري مخاطباً جماهيره عبر تطبيق zoom معلناً ثورته ضد كل مَنْ ينتمي إلى المنظومة الفاسدة وعلى رأسها سعد الحريري لا بل وحده مَنْ فسد وأفسد.

وإذا كان سعد قد أنفق الثروة من أجل الثورة خلال 16 عاماً، فإن بهاء يكاد ينفق ما يملك في سنة واحدة، ولكن من أجل ماذا؟

إنَّ العمل السياسي هو حق لكل مَنْ يحمل مشروعاً سياسياً وإقتصادياً إنقاذياً لـِ لبنان فكيف إذا كان ابن رفيق الحريري؟ ماذا يقول بهاء لجمهور والده إذا ما تساءل عن جدوى احتلال مَنْ لم يكفّوا يوماً عن محاربة رفيق الحريري شاشته، يملأون برامجه ويستخدمون منبره لكيلِ ما توافر من شتائم بحق الحريرية السياسية وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأحوال اللبنانية، ورسم الأمنيات بإرسال شقيقه سعد إلى متاحف التاريخ السياسي، أبرز هؤلاء الضيوف الكرام هم: وئام وهاب، سمر الحاج، شربل خليل، جوزف أبو فاضل، سكارليت حداد، شارل أيوب، ناجي حايك وغيرهم… كما يحاول تسخير الفن واستغلال الفنانين في حربه الإلغائية إذ إن هناك سؤالٌ ثابتٌ في أحد البرامج الفنية هو: هل فشل سعد الحريري في السياسة؟

وإذا كانت حرب الوردتين التي وقعت في القرن الـ15 على أحقية وراثة العرش الإنكليزي بين عائلتَيْ يورك (ذات الوردة البيضاء) ولانكاستر (ذات الوردة الحمراء) اللتين تنتميان إلى عائلة بلانتاجانت نسبةً إلى الملك إدوار الثالث، فأي حرب يخوض بهاء في معركته التحريرية؟ هل يحارب ضد سعد من أجل رفيق ولبنان؟ أم أنه يحارب ضد رفيق وسعد والمستقبل والحريريين من أجل حفنة من السلطة؟

إنَّ واقع الحال ما بين بهاء وسعد ليس حرباً يتواجه فيها طرفان متصارعان، بل معركة يخوضها طرفٌ واحدٌ ضد مَنْ أعلن استعداده الدائم لا بل يمنِّي النفس أملاً باحتضان ابن رفيق الحريري.

إنَّ الزعامة السياسية تُصنع عبر النضال المُنقَّح بالدم لا بعالم افتراضي يملأه ضجيج مستثمرين.

شارك المقال