على مَنْ تقرأ حوارك يا عون؟

عاصم عبد الرحمن

ليست المرة الأولى يُدعى إلى الحوار في القصر الجمهوري ذلك أن إعلان تحييد لبنان عن الصراعات البعيدة والقريبة والنأي باللبنانيين عنها لا يزالان حاضرين في ما يُعرف بـ”إعلان بعبدا” الذي توّج سلسلة جلسات حوارية بين القوى السياسية عام 2012 في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. أما اليوم وعلى مشارف انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، باشرت دوائر بعبدا التحضير العملي اللوجيستي والإداري ترجمةً لرغبة رئيسه في عقد مؤتمر حوار وطني يتناول ثلاثية اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان وخطة التعافي المالي والاقتصادي. ولكن ما جدوى الحوار في زمن الإنهيار؟ وأي عون سيرأسه الطرف أم الحكم؟

لم يكد الرئيس ميشال عون يتلفظ بأولى كلمات الدعوة إلى الحوار حتى أتاه يقين عدم جدواه قبيل الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، فأول الرافضين كان الرئيس سعد الحريري ثم تبعته القوات اللبنانية حتى الرئيس نجيب ميقاتي فإنه يحضر بصفته رئيساً للحكومة وليس كمكوّن سياسي سنّي انسجاماً مع موقف رؤساء الحكومات السابقين وكذلك الحزب الإشتراكي، فقد أجمعوا على ضرورة تفعيل العمل الحكومي وعودة المؤسسات إلى عملها عوض حوار فولكلوري لن يغني ولن يسمن من جوعٍ لإنقاذ وطن على شفا حفرة من إنهيار شامل.

وإذا كان حزب الله مرحِّباً بالدعوة إلى الحوار، فإن جناح ثنائيته ملزم بذلك ليس إلا انسجاماً مع الشعار الذي يرفعه دائماً وهو ‘الحوار’، ليجلس ربما حول هذه الطاولة رؤساء التيار الوطني الحر، الحزب الديموقراطي اللبناني، حزب الطاشناق واللقاء التشاوري أي حوار أهل بيت 8 آذار كثمرةٍ لضغوط حزب الله.

ملفات ثلاثة يضعها ميشال عون على بساط التحاور كان حري به أن يناقشها منذ خمس سنوات تزامناً مع انطلاق عهده:

1- اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، فالأولى نص عليها الطائف منذ ثلاثين عاماً، هذا الاتفاق الذي لم يتوانَ عون يوماً عن محاربته، أما المالية الموسعة التي أطلق شرارتها في خطاب الميلاد فلم تنطفئ شعلة الخلافات حولها حتى اليوم وهي التي سيواجهها نبيه بري بكل ما أوتي من قوة سياسية ودستورية على اعتبار أنها تحمل في طياتها دعوة إلى الفيدرالية.

2- الاستراتيجية الدفاعية التي طوى ملفها كرمى لشريك تفاهم مار مخايل منذ توليه سدة رئاسة الجمهورية مقدِساً ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، أما حزب الله المشارك في طاولة الحوار فلن يجلس عليها مناقشاً مستقبل سلاحه الذي يعتبره طبقاً رئيسياً على مائدة المفاوضات الإقليمية والدولية لا طاولة حوار منتهية الصلاحية.

3- التعافي المالي والاقتصادي وهو ليس مطلباً لبنانياً فحسب بل عربياً وإقليمياً ودولياً، إلا أن هذه الخطة هي واجب حكومي لا حواري إذ تسلك طريقها القانوني المؤسساتي نحو التنفيذ، وأي خطة اقتصادية تفترض اجتماع مجلس الوزراء لإقرارها لا طاولة حوار – إن عقدت بمن حضر – صورية تنتهي عند التقاط صورتها الوداعية لعهد رئيسها.

وأمام رفض القوى الأساسية – فريق 14 آذار – دعوة الحوار الذي استشفّت منه هدفين عونيين لقناعتها بأن ميشال عون المتربع على كرسي بعبدا لا يمكنه أن يكون حَكَماً في أي حوار يدعو إليه إذ وضع نفسه منذ اللحظة الأولى من عهده في خانة الطرف السياسي فانتمى رئاسياً ودستورياً إلى صهره وتياره عوض جلوسه في الوسط السياسي اللبناني يجمع ولا يفرق، يحاول صاحب الضيافة تعويضها بلقاءات ثنائية يبحث خلالها الجدوى والنية والإمكانية من عقد طاولة الحوار التي من الممكن أن تنتهي عند آخر رشفة قهوة يحتسيها مع آخر ضيوف اللقاءات الثنائية التي ينظمها القصر الجمهوري، أما الهدفان العونيان فيمكن اختصارهما بالآتي:

1- تحميل جميع القوى السياسية مسؤولية الإنهيار الحاصل من خلال التحاور حول إمكانية الحلول التي ستبقى حبراً على ورق فيشركهم في “لا تنفيذ الحلول”.

2- رسم خريطة سياسية أو أقله وضع تصور لمستقبل جبران باسيل السياسي عبر فتح منافذ حوارية وكسر جليد الخصومات المتطايرة من حوله نتيجة اشتباكه مع كافة القوى السياسية.

وعليه يبدو واضحاً أن حساب البيدر الحواري لن يأتي على حساب الحقل العوني – الباسيلي، فأولويات القوى السياسية كافة في مكان آخر حيث الاستحقاقات الدستورية شاخصة أمامها، فكيف إذا كان العهد في أيامه الأخيرة خاصة أن الدعوة إلى الحوار جاءت على قاعدة أن تأتي متأخراً وألَّا تأتي أبداً سيَّان بالنسبة إلى اللبنانيين سياسياً وشعبياً.

شارك المقال