طار الحوار… هل تطير الانتخابات؟!

حسن الدّر
حسن الدّر

لا يختلف اثنان على مبدأ الحوار كوسيلة مثاليّة لحلّ المسائل الخلافيّة وترتيب التفاهمات بين الافراد والجماعات.

ولا يختلف عاقلان على أنّ نجاح أيّ حوار يتوقّف على تهيئة الأرضيّة اللّازمة قبل أن تحدّد الجهة الدّاعية موعد الحوار وجدول أعماله والجهات المدعوّة إليه.

فهل أخذ رئيس الجمهوريّة بالاعتبار الظّروف المحيطة والأسباب الكافية لنجاح دعوته؟

أوّلًا، في الشّكل: لا شكّ أنّ البنود الّتي طرحها الرئيس ميشال عون تمثّل جوهر الانقسام اللبناني، والاتّفاق عليها أو الاختلاف حولها يحدّد شكل المرحلة المقبلة في لبنان، لكن بدت دعوة رئيس الجمهورية انفعاليّة، وغير محسوبة، عقب قرار المجلس الدّستوري الذي وجّه ضربة قاسية للتيار الوطني الحرّ ورئيسه، وأضاف إلى مأزقه الدّاخلي، في شارعه، مأزقًا أشدّ وطأة يتمثّل بالصّوت الاغترابيّ، وبات معه مقعد رئيس التيار النيابي أسير حسابات الحاصل الانتخابي والصّوت التّفضيلي.

وإذا صدقت توقّعات بعض مراكز الدّراسات، وخسر باسيل مقعده نكون أمام احتمال طيّ صفحة الرّجل كلّيًّا من الحسابات الرّئاسيّة وربّما السّياسيّة!

فالدّعوة إذًا، لم تكن منسّقة مع أيّ من الأطراف الدّاخليّة، حتّى الحليفة منها، بل يرى بعض المتابعين أنّ دعوة الحوار، أساسًا موجّهة ضدّ الحليف الوحيد على خلفيّة شعور التّيّار الوطنيّ الحرّ بالغبن، وعدم وقوف حزب الله معه في معركته ضدّ حركة أمل والرّئيس نبيه برّي.

في الشّكل أيضًا: تقول بعض الأوساط: الرئيس ميشال عون ليس مرجعيّة صالحة لإدارة الحوار، لأنّ طبيعة الرّجل صداميّة، وإذا تركنا تاريخه السّياسيّ جانبًا، ففي زمن رئاسته، منذ 2016، خاصم أقرب المقرّبين إليه، واستعدى الّذين أوصلوه إلى سدّة الرّئاسة، باستثناء حزب الله طبعًا، الذي لم يسلم من العتب عليه حدّ الغضب، وفي ذروة التّباين بين الحزب والتّيّار كان الرّئيس طرفًا، ولم يستطع أن يشكّل مظلّة لرأب التّصدّعات بينهما.

فكيف يجمع المتخاصمين من يعجز عن جمع المتفاهمين؟!

ثانيًا، في المضمون: يدرك الرّئيس عون أنّ المنطقة تعيش مخاض ولادة جديدة، وأنّ حدود النّفوذ بين الدّول الاقليميّة والدّوليّة لم تتّضح معالمها بعد، ولبنان “الصّغير” يشبه آخر قطعة من لعبة الـ”puzzle” وما دام تركيب صورة المنطقة متعذّرًا حتّى اليوم، فمن المستحيل ترتيب صورة الوضع اللّبنانيّ فضلًا عن إعادة تركيبه بما يتلاءم مع المتغيّرات المحيطة بنا.

وعليه، أمام اللّبنانيين رحلة انتظار طويلة، محطّتها الأولى نتائج مفاوضات “فيينا”، ثمّ المفاوضات الإيرانيّة – السّعوديّة، وأخيرًا طبيعة وشكل الحلّ في سوريا، وتقاسم حدود النّفوذ بين الرّوس والإيرانيين، إضافة إلى ملفّ القضيّة الفلسطينيّة ودور العدوّ الاسرائيليّ بعد موجة التّطبيع العربيّ، كلّ ذلك سيسبق حكمًا البحث في الأزمة اللّبنانيّة، وايجاد الصّيغة الّتي تلائم الشّكل النّهائي للمنطقة.

وفي المضمون أيضًا: يخطئ رئيس الجمهوريّة إذا ظنّ أنّه قادرٌ على اقناع الأطراف اللّبنانيّة بأنّه مرجعيّة صالحة للحوار في زمن الانقسام حول الخيارات الكبرى، فاتّفاق الطّائف وتسوية الدّوحة دليلان كافيان للاقتناع بأنّ الحلول الكبرى في لبنان تستوجب تقاطعات دوليّة وإقليميّة؛ إلّا إذا كان يهدف إلى تسجيل نقطة معنويّة في رصيده الخالي من الانجازات في الهزيع الأخير من عهده.

لكنّ النتيجة كانت عكسيّة بعد رفض كتل وازنة المشاركة، خصوصًا تيّار المستقبل ومن يمثّله، فأضيفت نكسة جديدة إلى سجلّ النّكسات المتراكمة في رصيد عون الرّئيس.

في ظلّ الأفق السّياسيّ المسدود، والأزمة الاقتصاديّة المفتوحة على احتمالات انهيار المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة بعد تزايد أعداد الفارّين، وارتفاع أصوات العسكريين على أبواب المستشفيات والتعاونيات ووسائل المواصلات، مع ارتفاع سقف سعر الدولار إلى مستويات تهدّد بعاصفة اجتماعيّة وأمنيّة لا يمكن التّكهّن بنتائجها وتداعياتها على لبنان ومحيطه، يأتي السّؤال البديهي، وبحسابات بدائيّة: كيف يمكن لدولة متهالكة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا أنّ تنظّم الاستحقاق الانتخابيّ؟

الإجابة البديهيّة أنّ الانتخابات يلزمها جاهزيّة لوجيستيّة وأمنيّة عالية، وميزانيّة كبيرة، وحدًّا أدنى، مفقودًا، من الاستقرار الاجتماعيّ، ولا يكفي الضّغط الدّوليّ لاجراء استحقاق تتجنّبه بعض القوى الدّاخليّة، وتراه قوى أخرى فرصة لتجديد مشروعيّتها، خصوصا بعد حملة التّشويه والتّسقيط الّتي تعرّضت لها بعد حراك 17 تشرين 2019، وخوفًا من الدّخول في فراغ دستوريّ غير مسبوق إذا لم تجرِ الانتخابات في موعدها، مع استحالة طرح أيّ طرف التّمديد للمجلس القائم.

ثمّ من يضمن بقاء الموقف الدّوليّ على حاله، ماذا لو تعثّرت مفاوضات “فيينا”، هل تبقى قواعد الاشتباك على حالها؟

نحن في لبنان، يجيب أحدُ المخضرمين، ننام على خبر ونستيقظ على آخر، وإذا استمرّ المنحى الانحداريّ على المستوى الاقتصاديّ والسّياسيّ قد ننزلق إلى جحيم الأحداث الأمنيّة المتنقّلة، وعندها سندخل في زمن الكانتونات المعلنة، بانتظار اكتمال المشهد الدّوليّ والاقليميّ، “ويدرى مين يعيش”!

شارك المقال