الممانعة… وعلم النفس!

علي نون
علي نون

مثلما هي الحال في الشؤون والعلاقات الخاصة بالافراد وبين البشر، كذلك هي في الشؤون والعلاقات العامة الخاصة بالهيئات القيادية الحزبية والنظامية: الاعصاب التالفة تنتج خسارة حتى لو كان صاحبها على حق… والعكس قد يصّح في احيان كثيرة: من حافظ على هدوء اعصابه وضبط فلتات لسانه كسب شيئا من حق غيره وغنم ما ليس له!

… وقيادات حزب ايران في نواحينا هذه الايام تحظى بالمجدين: فقدان اعصاب يُضاف الى فقدان حق !

الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب ايران يتهم الاميركيين بمحاصرة لبنان والتسبب مع اتباعهم بالكارثة الضاربة اطنابها بالطول والعرض! لكنه مجددا يخطئ في التوصيف والتعريف والاستنتاج… ولا ينتبه مثلا الى ان الاميركيين “يحاصرون” نظام بشار الاسد في سوريا وليس لبنان! ويعاقبون حزب الله في لبنان وليس اللبنانيين! والمعضلة المتحكمة بواقع الحال الراهنة تكمن تماما في محاولة ذلك الحزب على مدى السنوات الثلاث الماضية تحديدا، خرق العقوبات الاميركية على حليفه في دمشق على حساب الخزينة اللبنانية ومن كيس اللبنانيين ومن ارزاقهم وخيراتهم حتى وصلوا الى القاع وما تحته! وضرب الافلاس والاملاق سوريا ولبنان والسوريين واللبنانيين سواء بسواء !

والاميركيون لا يحاصرون لبنان ولا يتسببون بانكساره بل يفعلون العكس او يحاولون ذلك… وعقوباتهم وحصارهم المالي والاقتصادي والتجاري والخدماتي والمصرفي تطال ايران ومتفرعاتها. وحزبها في لبنان احد ابرز تلك التفرعات، وهو لذلك، “يشعر” مع امثاله بوطأة ذلك الحصار ويعاني منه تبعا لارتباطه التام بدولة “الولي الفقيه”… اي ان التشخيص عند الشيخ قاسم يحتاج الى تصويب جغرافي وسياسي كي لا يبقى الانفعال وفقدان السيطرة على الاعصاب وفلتات اللسان مدعاة اضافية الى الهم والغم ودلالة بيّنة الى ضعف الحجّة وركاكة الاداء وانكشاف الضمور !

وقبل الشيخ قاسم، خرج احد رفاقه القادة في حزبه ليصف اخصام الحزب بالصيصان! ويتوعدهم بالخسران المبين طالما انهم يتحركون بايعاز “مؤامرات” الاميركيين وتبعا لما يبيّتونه ويشهرونه ضد “المقاومة” في لبنان وعموم المنطقة! وذلك أيضا يدلّ على عصبية لا تليق بسياسي وعقيدي واثق الخطى والفؤاد ويؤمن بانه محق وغيره مذنب!

أخصام حزبه في لبنان هم اللبنانيون الذين لم يترك لهم تنظيمه الحديدي شيئا إلا وأخذه ليضعه في حسابات إيران… ومنهم، هؤلاء الاخصام الموصوفون بأنهم “صيصان”، من كان في صفوف “المقاومة” ضد إسرائيل وليس في صفوف من كان معها… وبعض هؤلاء “الذين كانوا معها” صاروا حلفاء ذلك الحزب ورفقاء مسيرته الاستلحاقية بايران ومشروعها وأحلافها الأقلوية في عموم المشرق العربي!

اما السيد محمد رعد رئيس كتلة حزب ايران في البرلمان اللبناني، فقد عاد ليقدم شيئا من اشيائه اللغوية المأثورة عندما قال انه وصحبه وحزبه “أسياد البلد”… البلد عينه الذي سبق ان محى تاريخه السيد رعد واعتبر انه لا يستحق البقاء من دون “المقاومة” ولا داعي له اصلا من دون تلك المقاومة! وان لبنان الماضي ما كان سوى مسخرة وملهى ليلي ليس اكثر!

وان زمن الأمجاد والكرامات والعز بدأ مع حزبه ومقاومته وليس قبلهما ولا ضرورة له بعدهما!

وتلك عيّنة من عيّنات الغضب المكبوت الذي يُترجم باللغة الفوقية المتخشّبة والصادمة والتي تدلّ أيضا على وهن القائل وقلّة تدبيره تبعا لوهن الحصاد الذي يراه كل من عليها في لبنان وايران وسوريا والعراق واليمن… وانكشاف المشروع على فشل تلو فشل بعد اربعة عقود من “ثورة” أرادت “تحرير” القدس لكنها لم تترك ديرة او مدينة او كيانا او دسكرة عربية اسلامية الا ودمرتها او ساهمت في تدميرها وترميدها من دون تحرير شبر واحد من القدس او غيرها… وأرادت “طرد الصهاينة” من فلسطين التاريخية فإذ بهؤلاء صاروا في جوارها! وعند عتبة دارها!

… ثم يسأل احد شيوخ الحزب عينه، اللبنانيين وباستنكار واضح عما اذا كانوا “يعرفون ماذا يجري في اليمن ومع اليمنيين”! من دون ان يرفّ جفن واحد من جفونه! وهو ايضا يصدر عن وعي مأزوم، ولا وعي اكثر مأزومية! والا كيف له ان لا يسأل اللبنانيين عما اذا كانوا “يعرفون” ماذا حلّ بسوريا وبالسوريين على ايدي نظام الاسد وحزب ايران وأتباع حلف الممانعة المدعاة! وماذا حلّ بعد ذلك باللبنانيين انفسهم نتيجة ما فعله ذلك المحور اولا وأساسًا.

عيّنات متعددة من أداء واحد

تدلّ ويدلّ على بديهة في علم النفس تقول بإن الصوت العالي دليل ضعف وان الاعصاب التالفة دليل أزمة مستحكمة …وهذه وتلك من عموميات اللبنانيين هذه الأيام ومن ضمنهم بالتأكيد اتباع إيران الذين راحوا معها اينما راحت ووصلوا وأوصلوا المنطقة وشعوبها الى القعر!

شارك المقال