هل تنعكس انتصارات السعودية في مأرب على لبنان إيجابياً؟

جورج حايك
جورج حايك

تتجه المواجهات بين المملكة العربية السعودية و”حزب الله” إلى المزيد من التصعيد. ومن يتابع مسار الأحداث منذ عام 2011 حتى اليوم، لا بد أن يلاحظ بسهولة هذا الأمر ومدى انعكاسه على لبنان، لأن “الحزب” يأخذ لبنان رهينة بل ورقة يضعها في يد ايران من أجل التفاوض عليها في الاجتماع مع الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الغربي في فيينا من جهة، والمساومة عليها في الحوار الايراني – السعودي من جهة أخرى.

تشكّل الساحة اليمنية أرضاً للمعارك العسكرية بين الدول الخليجية والجيش اليمني بقيادة السعودية والحوثيين و”حزب الله” بقيادة ايران. في المبدأ لا علاقة للبنان بهذه الحرب، ولا مصلحة له بالتورط في هذا الصراع، وعلى الرغم من إنكار الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بالمشاركة في المعارك العسكرية، إذ أشار خلال خطاب له في 20 تشرين الثاني 2017، إلى أن حزبه “لم يرسل سلاحاً إلى اليمن، ولا إلى البحرين، ولا إلى الكويت، ولا إلى العراق، ولا إلى أي بلد عربي، لا صواريخ باليستية، ولا أسلحة متطورة، ولا حتى مسدس”. إلا أن الوقائع تؤكد غير ذلك، وليس منذ الآن إنما منذ عام 2011، مع دخول أكثر من 300 من خبراء “حزب الله” إلى صنعاء لتدريب ميليشيات الحوثي، ولاحقاً أظهر مقطع فيديو أحد قادة “الحزب” وهو يدرب ويوجه عناصر حوثية لاستهداف السعودية، ثم نشرت الصحف اللبنانية تقارير تفيد بتدريب “الحزب” عناصر من الحوثيين في معسكرات تابعة له في البقاعِ الشمالي والجنوب. وفي عام 2017، قتِل 3 أفراد من “الحزب”، في غارة جوية شنتها طائرات تحالف دعم الشرعية في اليمن على معقل للحوثيين، وعُرِفَ من بين القتلى شخص متخصص في الاتصالات، واثنان يعملان في المتفجرات وزراعة الألغام، ولا سيما البحرية منها، إذ كانا يعملان على تفخيخ قوارب يستخدمها الحوثيون ضد قوات الشرعية اليمنية.

وأعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن في تشرين الثاني 2021، استهدافهُ منشأةً سريةً تضمُ خبراء من الحرس الثوريِّ الإيراني و”حزب الله”، وذلك في إطار عملية واسعة نفذها على أهداف في 4 محافظات يمنية. وكشفت مصادر يمنية في كانون الأول 2021 عن مقتل قيادي في “الحزب”، يدعى أكرم السيّد في قصف للجيش بمحافظة مأرب برفقة عدد من العناصر، الذين احتوتهم مقابر صعدة كغيرهم من خبراء “الحزب” والحرس الثوري. وتبيّن أن السيّد دخل اليمن في آب 2017 ضمن مجموعة تابعة لـ”الحزب”، وأُرسل في 3 كانون الأول 2021 مع عدد من خبراء “الحزب” إلى جبهات في جنوب مأرب، بهدف قيادة العمليات وتنفيذ مخطط إيراني لتصعيد وتيرة المواجهات في المحافظة. وسبق السيّد، مقتل قياديين آخرين هما أبو حيدر سجاد ومصطفى الغراوي، الذي كان مكلفاً تدريب الحوثيين على الانتشار في الجبهات الأمامية والتموضع في مواقع استراتيجية.

ويبدو ان عدد قتلى “حزب الله” في ارتفاع متزايد مما دفع نصرالله الى إرسال توجيه عاجل وسري بدفن القتلى في مدافن جماعية تابعة للحوثيين وضرورة اقتصار المراسم على أقل عدد ممكن، مؤكداً أن هذا الإجراء يهدف لعدم كشف الأعداد المتزايدة من القتلى، سواء كانوا التابعين لـ”الحزب”، أو عناصر الحرس الثوري الإيراني.

وفي 27 كانون الأول 2021، عرض العميد تركي المالكي مقاطع فيديو تؤكد تورط “الحزب” في اليمن، واستخدام مطار صنعاء لاستهداف السعودية. وظهر فيديو آخر يقوم فيه أحد خبراء “الحزب” بتدريب الحوثيين على تفخيخ الطائرات المسيّرة من داخل أحد المقرات في مطار صنعاء الدولي!

وبات أكيداً أن “الحزب” يقدم للحوثيين الدعم في العديد من المجالات: التخطيط والتدريب العسكري ويقوم خبراء من “الحزب” بالإشراف على بناء المعامل الخاصة بالعبوات الناسفة، وإعادة تركيب الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بما يضمن عدم تضرر تلك المعامل بالغارات الجوية التي ينفذها التحالف. إضافة إلى تهريب الأسلحة،إذ يشتري “حزب الله” الأسلحة من مصانع وتجار أسلحة من أميركا اللاتينية، حيث هناك نفوذ كبير للتنظيم، كما يعمل على تهريب الأسلحة عبر افريقيا وصولاً إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر قبل نقلها في قوارب خشبية إلى اليمن، عدا الأسلحة التي تمر عبر بحر العرب من إيران. وفي مجال الإعلام الحربي، برز دور “الحزب” في هذا المجال عبر تدريب العاملين في القطاع الإعلامي، من خلال إخضاعهم لدورات وتخريجهم لاحقاً، كما تبث قنوات الحوثيين مثل المسيرة والساحات من لبنان. وتسبّب تدخل “الحزب” في اليمن في إطالة الحرب وزيادة روح الكراهية والطائفية في المحافظات الشمالية.

أمام هذا الوضع، باتت واضحة أسباب التوتر في خطابات نصرالله الأخيرة وتهجماته على السعودية، وهي مرتبطة بمعركة مأرب والانجازات التي حققها التحالف العربي في تحرير شبوة في انطلاق معركة “حرية اليمن السعيد”، مما أعاد زخم معركة التحرير الكبرى إلى الواجهة. وما أزعج “حزب الله” أيضاً التشدد السعودي في ما يخص لبنان انطلاقاً من استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، ووقف الصادرات الزراعية اللبنانية من دخول الأراضي السعودية قبل وقف تهريب الكبتاغون، ومنع المؤتمرات التي ينظمها “الحزب” لمعارضي الدول الخليجية وغيرها.

بعدما ظنّ “الحزب” ان الساحة اللبنانية متروكة له وللنفوذ الايراني، أظهر الموقف السعودي توازناً مهماً، ووجدت القوى السياسية اللبنانية، في السلوك السعودي التصعيدي، نوعاً من الدعم الاقليمي لتفصح عمّا كانت تُضمر قوله، وهذا يعني أنّ “الغضب السعودي” والتأثيرات الشعبية التي تركها، أعطت ثمارها، إذ بات بعض المسؤولين كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي قادراً على اتخاذ مواقف يحمي فيها المؤسسات الدستورية على الرغم من ارادة “حزب الله” وخصوصاً حماية القضاء اللبناني الذي يتولى التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت.

مع ذلك، يعجز المسؤولون اللبنانيون في السلطة عن كبح جماح “حزب الله” في اليمن، على الرغم من الطلب السعودي الملح في منع تدحل “الحزب” بشؤون الدول العربية خدمة لايران، و”الغضب السعودي” يُمكن أن يرتد إيجابياً على لبنان، إذا ما ثابرت القوى السياسية والشعبية، الدفع في اتجاه إجبار “حزب الله” على إدخال تغييرات أساسية في سلوكه، بحيث تبدأ المعالجات بإراحة الدولة من بعض أعباء الدويلة.

لكن السعودية لن تتهاون مع السلطات اللبنانية إذا استمرت في التساهل مع “الحزب”، ولن تتردد في اتخاذ اجراءات عقابية تزيد من عزلة لبنان وما ترتبه من تداعيات اقتصادية، وبالتالي المواجهة مع “الحزب” ليس لها حدودا ولا سيما انه مصمم على الانخراط أكثر في الصراع الاقليمي والتدخل في شؤون الآخرين تنفيذاً للمشروع الايراني التوسعي.

وتشير المعارك الميدانية إلى ان السعودية لن تتراجع عن تحرير اليمن من السيطرة الايرانية، ومعركة مأرب دليل واضح على ارادة القيادة السعودية والتحالف العربي بتحقيق الانتصار، وهذا سينعكس على لبنان بوضوح، وسيدفع “حزب الله” إلى التمسّك بالورقة اللبنانية من خلال توظيفها في مواجهة السعودية كما فعل في احياء ذكرى المعارض السعودي الشيعي نمر باقر النمر، مرسلاً رسائل استفزازية إلى القيادات هناك، بعدما وصف نصرالله الملك السعودي بالارهابي. لكن كل ذلك سينتهي في حال تحرير مأرب، بحيث من المتوقع أن تستكمل المفاوضات في سلطنة عمان فيخضع الحوثيون لشروط السعودية بعد خسارتهم الحرب، مما سينعكس ايجابياً على الوضع في لبنان. أما إذا طالت الحرب وتحولت إلى معارك استنزاف ومدّ وجزر فسيغرق “الحزب” في متاهاتها، وسيتحوّل لبنان ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية، هذا ما ما جنته على لبنان حروب “حزب الله”!

شارك المقال