طرابلس “قندهار”… غاية سياسية أم “نغمة” شعبية وإعلامية؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يمرّ يوم على الطرابلسيين إلّا ويشعرون فيه بالقلق والخوف من تأزم الأوضاع المعيشية والسياسية في البلاد، فصحيح أنّ الأزمة عينها باتت تضرب كلّ المدن اللبنانية من شمالها إلى جنوبها، إلا أنّ انعكاسات هذه الأزمة تبدو دائمًا أكثر حدّة وقساوة على “أفقر مدينة على حوض البحر المتوسط”.

إطلاق رصاص بشكلٍ متفاوت يمتدّ حتّى ساعات الفجر الأولى، قنابل عشوائية، سرقات لا تترك الثمين والرخيص، وصولًا إلى أصعب آفة وهي جرائم القتل المقصودة، مما يدفع الكثير من المواطنين والناشطين إلى طرح أسئلة مختلفة حول صحة تصريح وزير الداخلية بسام مولوي الذي أكّد أنّ الوضع الأمني “ممسوك جدًا”، في محاولة منه لبثّ الطمأنينة في نفوس اللبنانيين حول الوضع الأمني الذي بات شغلهم الشاغل، في ظلّ تخوّفهم المستمر من احتمال تعرّضهم لعملية قتل ولا سيما تلك التي باتت تقع “مع سبق الإصرار والترصد!”

ومنذ أيّام، عاشت مدينة الميناء لحظات عصيبة بعد إشكال كبير تسبّب به “كلب”، أدّى إلى وفاة شخصين وإصابة آخرين، في أجواء ساد فيها التوتر والهرج والمرج، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح فرضية كانت قد عملت الكثير من الوسائل الإعلامية على تكريسها كصورة نمطية عن “الفيحاء”، وهي ترتبط بتحويل طرابلس إلى قندهار وجعلها منبرًا لفلتان الأسلحة والإرهاب، وهو ما كانت قد رفضته المدينة وأهلها بشكلٍ تام، وحاولوا لسنوات إزالة غبار هذه الشائعات المبغضة عنهم للتأكيد أنّ طرابلس كانت وما تزال مدينة تعايش وسلام، لا مدينة إرهاب كما يُريد البعض تصويرها علنًا، لكن اليوم تعود هذه الفرضية إلى الواجهة ليس من قبل الوسائل الإعلامية، بل من قبل البعض من أهالي المدينة الذي يبدون خوفهم من تطوّر الظواهر الاجتماعية والأمنية المنتشرة في الفترة الأخيرة، مع العلم أنّها نتيجة طبيعية لغياب الدّولة وقراراتها الحازمة أمنيًا، سياسيًا واقتصاديًا “على الأرض”. 

الأمن “على المحكّ”

تستفيد بعض الجهات المتطرّفة من تردّي ظروف القوى الأمنية معيشيًا، مما يُؤدّي فعليًا إلى تراجع مستوى خبرات هذه القوى أو مستوى متابعتها لهذه التفاصيل الأمنية التي باتت تُسجّل توجهًا لبعض شبان المدينة (من صغار السن) إلى تنظيم متطرّف خارج لبنان. وحسب معلومات “لبنان الكبير”، فإنّ “عملية الرصد الأمني لم تختفِ كما يُحاول البعض الترويج لها إعلاميًا وشعبيًا، بل تراجعت مع الظروف المادية لكنّها لم تشهد ضعفًا في إمكاناتها أو رصدها أمنيًا ومعلوماتيًا في الأجهزة الأمنية المعروفة في المدينة”.

وعلى الرّغم من عودة الجماعات المتطرّفة إلى الواجهة من جديد بأخبار إعلامية تُشير إلى هروب الشبان على دفعات إلى العراق، تُشدّد مرجعية طرابلسية لـ “لبنان الكبير” على أنّها ليست مؤشرًا مخيفًا ولا سيما حين لا تشتعل الفتن المذهبية والطائفية (وهي كانت قد أشعلت النّار عند طوائف أخرى أيضًا ودفعتهم إلى المشاركة في حروب على حجة تهديد الطائفة)، لكن يجب اتخاذ جميع إجراءات الحيطة والحذر أمنيًا وعائليًا حفاظًا على صحة أبنائنا عقليًا ونفسيًا، مع أهمّية الوقاية من المخدّرات التي تُهدّد مستقبلهم.

في هذا السياق، يُشير مصدر لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ كلّ منطقة طرابلسية باتت تحت امرة عصابات إجرامية وهي تلتزم بدورها بأحد المرجعيات (لا علاقة لها بمرجعية دينية عمومًا)، تقوم بتعكير صفو الأمن بين الناس، وهذا ما يُفسّر وجود الأسلحة العشوائية.

الشيخ إمام يستبعد سيناريو قندهار

لا يرى مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام أنّ الحوادث الأمنية في طرابلس ترتبط بسيناريو قندهار، بل يراها أنّها حوادث تقع في كلّ المناطق والأحياء. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّها إشكالات فردية تحدث في كلّ البيئات، وليست ناتجة عن عقيدة معيّنة أو إيديولوجيا دينية كيّ نفترض مسألة قندهار وغيرها”.

وإذْ يؤكّد أنّ دار الفتوى سبق ونشرت فتوى تُعلن فيها أنّ إطلاق الرصاص في الهواء محرّم شرعًا، يُشدّد على ضرورة الالتزام بها وعدم الخروج عنها في حال أراد أحدهم أنْ يسأل عن دور دار الفتوى التي أعطت رأيها صراحة بما يحدث.

تفاصيل جريمة الميناء

بعد عملية إطلاق النّار، وحرق معمل اسفنج وسيارات في الميناء، يُمكن القول أنّ “التحقيقات الأمنية بدأت في هذه الجريمة التي يقلق البعض من احتمال توقيف القاتل فيها لفترة محدودة وإطلاق سراحه لاحقا كما يحدث عادة”.

وفي التفاصيل التي رواها الشيخ ماهر العبوشي لـ “لبنان الكبير”، فإنّ المختار بديع الأيوبي كان يسير برفقة شخص آخر وهو عبد الله الأيوبي وتهجّم عليهما أحد الكلاب بالقرب من معمل للمفروشات، فقام أحد الأطفال (15 عامًا) بمناداة شخص آخر فتشاجر معهما، مؤكّدًا لهما أنّ هذه الطريق “للكلاب وليست للناس”، فأهدأ المختار عبدالله، لكن خرج لاحقا الشخص الذي أطلق النّار ليتشاجر معهما، وبالصدفة مرّ محمود بيضون بسيارته ليستشرف ما يحدث، فأطلق القاتل عليه النار مباشرة وأرداه، وكان يُريد إطلاق النّار على عبد الله لكنّه ذهب وأطلق الرصاص على قدم المختار الذي باتت حالها أفضل”.

ويُضيف: “كردّ فعل من النّاس، جاؤوا لحرق المعمل وبعض السيارات ووجدت جثة متفحمة في الداخل، وقد كنّا قد سجلنا موقفًا من العسكريين الذين كانوا يضربون النّاس بالأسلحة ومنعوا دخولهم لإنقاذ من يحترق في الداخل، حتّى أنّهم كانوا قد أطلقوا الرصاص المطاطي بكثافة وأصيب أحد الأشخاص تحت عينيه”.

شارك المقال