على طريق فيينا

عاصم عبد الرحمن

قل لي ماذا يجري في فيينا أقول لك ماذا يجري في لبنان!. مروحة إيجابيات واسعة خيّمت على الأجواء اللبنانية بشكل مباغت ربما، أزاحت غيوم التعطيل الحكومي كأول الغيث تقدمته زخّات في تحسن وضع الليرة أقله كسعر للصرف ذلك أن دولار الأسواق لا يزال في مكان آخر، تزامن ذلك مع إعطاء الضوء الأخضر لمدّ لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية والأبرز عودة رئيس الوفد الأميركي المفاوض لترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين.

أمام عودة الثنائي المشروطة في الشكل بإقرار الموازنة وخطة التعافي المالي هل أصبحت طريق الاستحقاق الانتخابي سالكة حدَّ الوصول إلى انتخابات رئاسة الجمهورية وفق المواعيد الدستورية؟

على وقع مناقشة المسودة الثالثة للإتفاق النووي الإيراني، أعلن السعوديون والإيرانيون إعادة التبادل الديبلوماسي فيما بينهما ليشكل ذلك مقدمة لإنهاء حرب اليمن وهو ما أثمر عن الحوار القائم في حضرة العراق الذي قرر الوقوف في الوسط السياسي بين القوى المتناحرة القريبة منه والبعيدة عنه، وعبَّر عن ذلك بفوز الكتل النيابية المنحازة للدولة العراقية العربية الشقيقة والصديقة للجميع على حد سواء فحسب. وكان الإتفاق النووي المرتقب إعلانه بين الأميركيين والإيرانيين قد مهّد لاستيعابه الإسرائيليون عبر فرض المهادنة الإعلامية حيال الرئيس الأميركي جو بايدن لحظة الإعلان عن ولادة الإتفاق ليمر بسلام تنفيذي سواء أكان الإتفاق نهائياً أم لأجل مسمىً نظراً لتشعب ملفات التفاوض وتعقيدها مما يحتّم على القوى الكبرى التوصل لهدنة دولية تطلق غازاً مسيّلاً للآمال المعقودة على حل قضايا أخرى ذات طبيعة تفاوضية مرتبطة بالملف الإيراني في الشرق الأوسط كاليمن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان.

في بيان يتحسّس معاناة اللبنانيين وبعد تعطيلها لمدة ثلاثة أشهر، استفاق ثنائي حزب الله – حركة أمل من سبات التلاعب بالمسار والمصير، وأعلن العودة الملحة إلى طاولة مجلس الوزراء في سياق إزالة تهمة التعطيل الباطلة عن كاهليهما لمناقشة خطة التعافي المالي والإقتصادي وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، مما يفترض إقرار الموازنة العامة التي يتطلب إقرارها عقد جلسات حكومية عدة مما يعني حكماً استمرار العمل الحكومي خلال الأشهر الفاصلة عن موعد الإنتخابات النيابية في أيار المقبل. وبين الصفقة المزعومة واللاصفقة المدعومة أو فقاعة هدية الحزب إلى ميشال عون الملغومة سواء بقي المحقق العدلي طارق بيطار على رأس التحقيق في تفجير مرفأ بيروت أم أزيح عن توليه هذا الملف، إلا أنه يبدو واضحاً أن الإيرانيين مرتاحون لمسار مفاوضات فيينا وهو ما ترجمه حزب الله في العودة إلى مجلس الوزراء وإن بدت غير مشروطة فهو لا يأبه أساساً بمآل الواقع اللبناني إذ لطالما جعل من لبنان مادة دسمة في ملف الإيرانيين التفاوضي دونما التفات إلى الكوارث التي يرزح تحت ركامها اللبنانيون كافة.

وهكذا إذاً وعلى طريق فيينا حيث تقبع عند قارعتها ملفات شائكة كبيرة تحتاج إلى تسويات تفاوضية كثيرة ينتظرها الشرق الأوسط تتظهّر تباعاً، يبدو أن اللبنانيين سيكونون على موعدين دستوريين هما الأهم بالنسبة إليهم، فالاستحقاق النيابي لا شك يشق طريقه نحو التنفيذ في 15 أيار، هذا الموعد الذي لم تنقطع الاتصالات الدولية حوله خاصة بين باريس المدعومة من الأميركيين والضاحية والذي حال المازوت الإيراني دون انقطاع خطوطها. أما الاستحقاق الرئاسي الذي ترتسم ملامحه على شاكلة الواقع الإقليمي التقاربي المستجد بين الإيرانيين والخليجيين والسوريين ليدخل بذلك لبنان ورشة الإصلاح السياسية والإقتصادية الكبرى ليس أقلها تعديلات دستورية تعكس ميزان القوى الجديد محلياً وعربياً والأهم إقليمياً، وذلك تحت إشراف رئيس التقاطع التسووي المرتقب الذي يبدو أن القوى الكبرى بدأت تتعاطى مع إحدى الشخصيات اللبنانية ذات الثقة المحلية والعربية والدولية والتي تعتبر الأوفر حظاً لتقلّد هذه المهمة التاريخية.

أخيراً، لا بد أن حال المرحلة المقبلة في لبنان سيكون متأرجحاً بين المد والجزر السياسي ليتنفس الجميع صعداء الإقتصاد والسياسة والمجتمع يرافقه لحن إعلامي هادئ حيال الخصوم في الداخل والخارج يتخلله نشاز الحملات الإنتخابية التي تستعر بشكل ديموقراطي عند عتبة اشتداد المنافسة في معارك إثبات الوجود بين القوى السياسية التي ستسعى لحجز مقاعدها في مهرجان لبنان الجديد في المقبل من الأيام. باختصار هناك قرار دولي يمنع سقوط لبنان، فهل يعود التوازن السياسي ويتقمص ما يشبه مرحلة 8 و14 آذار ومن خلفهما محورا الممانعة والسيادة تحت جناح رئيس تسووي يجمع ويبني؟

شارك المقال