المغتربون والثورة… إشكالية الدعم ورهان الانتخابات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

شكّل المغتربون اللبنانيون قوة دفع لثورة 17 تشرين منذ انطلاقتها، من خلال النشاط الذي كانت تشهده ساحة الشهداء واستقطاب النخب الى شعارات الثورة وتحريك قطاعات مختلفة، ولا سيما في المهن الحرة واقامة الخيم وتنظيم المعارض الفنية وحلقات النقاش وحفلات الفن وقبضات الثورة التي انتشرت من منطقة لأخرى وتحدت الحرائق، بالاضافة الى إقامة خشبة المسرح في وسط بيروت التي كانت تستقطب فنانين شباب لتقديم ما عندهم من اغان للثورة ونقد واقع الحال، الا ان كل ذلك تفرمل فلماذا توقف الدعم الاغترابي وتركت الساحات لمجموعات صغيرة تشرذمت هي الاخرى وضاعت في غياب القيادة.

يعيد حسان شمالي احد الناشطين في الاغتراب، الاسباب الى ان الكثير من المجموعات كانت تطلب الدعم المالي لتنظيم نشاط هنا او هناك، من مغتربين داعمين، وتطلب الدعم عينه للنشاط عينه من مجموعة اخرى او شخصية ثانية وحتى ثالثة من آخرين اي تأخذ من اكثر من محل للنشاط المقرر الوحيد، وعندما تجمّع المغتربون اكتشفوا هذه الظاهرة المسيئة للثورة والثوار، والامر الثاني هو وعد المليونية التي ستسقط عون والتجمعات أمام بعبدا، لنكتشف ان الخلاف قد دب بين المجموعات، ولا سيما كلنا ارادة ونحو الوطن فتغيرت الوجهة، وتم التراجع.

ويشير شمالي في حديث الى “لبنان الكبير” الى أن هذا الوضع الحساس والدقيق، دفع المغتربين الى الانكفاء، وركزوا مساعداتهم ودعمهم على الشؤون الانسانية في ظل تخبط الثوار والصراع بينهم وبين المعارضة وبعض قوى التغيير.

ولا يخفي شمالي انه “كان للمغتربين في بدايات الثورة يد قوية، وشكلوا دعما أساسيا لتحريك الثورة ودعمها ماديا في أنشطة ساحة الشهداء، وانا كنت من المتابعين بشكل يومي وكان لدي قلق كبير من عدم ادارة هذا الدعم المادي بشكل مفيد، وان يتم معرفة ادارة مساعدات المغتربين المادية ومعرفة كيفية صرفها، يمكن المساعدة لحالات انسانية تكون معروفة اكثر، لكن تنظيم الانشطة ودعمها كان فوضويا، صحيح اننا كنا مع الجو التغييري والانتفاض ضد السلطة الحاكمة، لكن ما لم يفهمه الثوار انه كان عليهم جمع القوى التغييرية لا تعزيز الانقسامات بين اليمين واليسار وبين المعارضة التقليدية والمعارضين الجدد، وكان عليهم ان يفهموا ان المغتربين قد هُجّروا من وطنهم، على الاقل نسبة هؤلاء تصل الى 80%، فليس كل مغترب غني، نحن أجراء في بلاد الغير، ولو كنا مرتاحين ما تركنا لبنان، ولكن عندما رأينا ان الشعب انتفض على الظلم والطبقة الحاكمة وقفنا معه وشعرنا باننا جزء منهم، من دون ان يكون لنا أي مأرب شخصي، ولكن هناك من استغل المغتربين حتى بتنا نجد ان بعض الناشطين الذين وضعنا ثقتنا بهم سرقونا، وطبعا نحن لم نكن نتدخل بالتحركات ما يهمنا كان الوصول الى تحقيق اهداف الثورة”.

في ذلك الوقت، سعى المغتربون بعد انكشاف الصورة الى تنظيم أنفسهم، ولجأوا الى الفصل بين الدعم الانساني والنضالي، ومع عدم التجاوب لاسقاط الرئيس ميشال عون بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، شعر بعضهم بانهم غُدِروا، وحسب تعبير شمالي “تبين ان ما قيل حكي وتم الضحك علينا. لكننا في الوقت عينه كمغتربين كنا نستمر بالمساعدة ونختبر الاشخاص ولذلك كانت دعوتنا الى تنظيم التحركات والتجمع والالتزام بمواجهة السلطة الشرسة من قبل كل التغييريين من دون الوقوف امام الصراعات القديمة التي استحدثت في صفوف الثورة لان لا احد مستعدا لاعادة عقارب الساعة لخوض حرب أهلية جديدة وكنا مع الحوار بين المجموعات وتقليص مساحة الخلافات حتى تقلب الطاولة على رؤوسهم، ولكن الذي جرى هو السماح للسلطة بالتغلغل داخل صفوف الثوار وتجمعاتهم”.

ولأن الانتخابات محطة مهمة يجري المراهنة عليها للتغيير من قبل الثوار والحصول على كتلة نيابية من 6 او 7 نواب قد يستطيعون الفوز بها اذا تشكلت لائحة موحدة، وتمت ادارة المعركة الانتخابية كما يجب، يكشف شمالي ان المغتربين بدأوا التواصل مع الطامحين والمرشحين والمؤثرين ودعوا الى توحيد الجهود، واعلاء المصلحة العامة على المصالح الخاصة، وجرى التواصل مع المجموعات وشكلنا منصتين لتسجيل الناخبين ومن ثم التصحيح، وابدينا استعدادنا لدعم المرشحين شرط ان يكون هناك توافق عليهم ويكونوا في لائحة موحدة للثورة، فنحن ليس لدينا غايات خاصة، غايتنا العمل على دعم من يمثلنا، ومنذ أيام كنا في لقاء مع “شمالنا”، وعرّفنا المغتربين على هذه المجموعة وسنواصل دعم وتسويق اي لائحة موحدة في اي دائرة، هناك اتصالات بمجموعات الثورة في النبطية وصور ومرجعيون، وسنفتح صندوق دعم لكل لائحة موحدة”.

ويشكّك شمالي بإمكانية تحقيق نتائج من نشاط المجموعات على الارض، “اذ صارت الامور معروفة هناك مجموعات تتحرك امام العدلية او امام الوزارات، وتدعو للمشاركة، يمكن بعض الناس يلبون الدعوة وهناك من يحب الظهور فيلجأ الى تنظيم تحركات لا تسبب الا الفوضى وحتى لو كنا نحبه لكن لا يمكن الوقوف معه اذا كان أنانيا”.

ومن وجهة نظره “لا خلاص الا بالانتخابات النيابية، فهي المدماك الذي تبنى عليه كل المسارات اللاحقة للتغيير، وعندما يفتح صندوق دعم لكل لائحة موحدة من الثورة يمكن للمغتربين المساعدة من دولار الى الف دولار وما يزيد كل مغترب في دائرته ويمكن ان يمد يد المساعدة اذا كان قادرا لصناديق اخرى، مثلا انا ابن بعلبك ادعم لائحة الثوار فيها وان استطعت سأدعم لائحة اخرى في الجنوب مثلا، نحن قلبنا على البلد وندفع من عرق جبيننا لنساند التغييريين من مرشحين غير قادرين ربما على دفع رسوم الترشيح والنقليات والقيام بحملات انتخابية من جولات وغيره، هناك أشخاص مرشحون اعرفهم وبيستاهلوا يترشحوا، لكن رواتبهم بحدود المليونين أو المليونين ونصف المليون. نحن سنقف معهم”.

ينتقد شمالي “الخلافات التي فرقت مجموعات الثورة وعدم تقبل بعضهم البعض، مشيرا الى ان قوة بعض الرموز في ساحة الشهداء لا تجعل منها قوة قادرة على استقطاب ناخبين في المنطقة التي ينتمون اليها يعني هذه نقطة ضعف، لذلك ترشيحهم لن يكون مفيدا، هم على صعيد لبنان معروفون ولكن في منطقتهم غير قادرين على تجميع اصوات”.

ويتساءل هناك تحالفات وقوى اجتمعت مع بعضها من مجموعات الثورة تخوض المعركة الانتخابية بعيدا عن الناس وهي منظمة لكنها لم تبنِ علاقة مباشرة مع الناخبين مثلا تحالف وطني او تحالف تشرين او غيرهما ليس لهم لغة موحدة في مخاطبة الناس فهل شاهدنا مثلا المجموعات المنضوية في هذه التحالفات تزور منطقة او تعقد اجتماعات مع الناس مباشرة فيها ممثلين عن كل هذه المجموعات المنضوية في التحالف ليس هناك نضوج في العمل وانصهار والاحزاب الجديدة تشبه القديمة ولبنان لا يحتاج ولا يتحمل مئة حزب يكفيه 6 او 7 احزاب والا صارت دكاكين”.

ولا يغيب “موضوع السلاح كهم وطني للمغتربين يجب التخلص منه، والاتجاه لنزع السلاح والتفلت القائم نتيجة وجوده في ايدي لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، وجعل السلاح ورقة للعب بها من قبل الخارج، وفي ظل وجوده لا يمكن نجاح الثورة والالتزام بالاطر الديموقراطية لممارسة العمل السياسي”.

ويشدّد شمالي على “ضرورة ازالة الخلاف بين المعارضة والتغييريين للنجاح في الانتخابات والمحاسبة تأتي فيما بعد اذا كان هناك اتهام لحزب او شخصية معارضة اذا ثبت ذلك قضائيا، فلندخل الى البرلمان ومن بعدها نحاسب المهم اننا نتفق ونريد مصلحة البلد وبقاء لبنان”.

واقع حال المغتربين اللبنانيين اليوم ليس كما بالامس، حوالي 90 بالمئة منهم بالكاد يكفون مصاريفهم ومصاريف العائلة وما يقدمونه من مساعدات لأهل وأقارب لتجاوز الازمات، الا ان العمل مستمر اذ يلفت شمالي الى نشاط تسجيل المغتربين ومساعدة الطلاب اللبنانيين الذين لديهم مشاكل مادية بالجامعات، وغروب للتواصل على تليغرام ضم 200 الف شخص بدأ من الخليج وتوسع الى دول العالم.

شارك المقال