موازنة 2022: لا فذلكة ولا توقعات ماكرواقتصادية للفترة المقبلة

المحرر الاقتصادي

يبدأ مجلس الوزراء الاثنين المقبل مناقشة مشروع موازنة العام 2022 بعد أشهر على تعليق جلساته وذلك اثر فك الثنائي الشيعي أسره.

ويتقاطع بدء مناقشة مشروع الموازنة مع انطلاق المفاوضات عن بعد مع صندوق النقد الدولي على أمل الوصول الى اتفاق على برنامج تمويلي معه يساهم في إعادة النهوض بالاقتصاد.

لا شك أن إقرار الموازنة يعتبر أمراً جوهرياً لأنه يمثل خطوة مهمة باتجاه انتظام المالية العامة، لكن يجدر القاء الضوء على بعض النقاط لتبيان الثغر في مشروع الموازنة الذي يفترض أن يتضمن عناصر إصلاحية تشكل أساساً لحصول لبنان على التمويل الذي يحتاج إليه بشدة:

أولاً: يفتقر مشروع الموازنة الى تصور اقتصادي يشرح سياسة الحكومة وتوجهاتها الاستراتيجية على المدى المتوسط.

فالموازنة تتألف من قسمين؛ الأول هو النصوص القانونية والثاني جدول النفقات والواردات، ويجب أن يلحق به تقرير مفصل يعرف بفذلكة الموازنة او خطاب الموازنة يتناول الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد والمبادئ التي اعتمدتها الحكومة في مشروع الموازنة.

وبالتالي، فان مشروع موازنة العام 2022 يفتقر الى الإطار الماكرواقتصادي العام الذي يجب أن يبيّن تصور الحكومة للفترة المقبلة وتوقعاتها بالنسبة للمؤشرات الاقتصادية. هذا التصور هو الذي يدل على التوجه العام للحكومة في المدى المتوسط، فتأتي الموازنة لتكون في إطار هذا التوجه. وعندها فقط تكون أداةً لتطبيق سياسات اقتصادية ومالية ذات أهداف محددة تتعلق بعدد معين من المؤشرات.

بمعنى آخر، لم يقدم مشروع موازنة العام 2022 مثلاً تصوراً حول كيفية خفض الدين العام الى الناتج المحلي والخطوات الضرورية لتشجيع النمو وتحفيزه. كما أنه لم يحدد سعر برميل النفط الذي على أساسه تبنى أرقام مؤسسة كهرباء لبنان.

ثانياً: يدعو مشروع موازنة العام 2022 إلى رفع أسعار الصرف التي تحدد الرسوم الجمركية، فضلاً عن زيادة رسوم الاستيراد والتجارة الأخرى – وهي خطوات ستزيد من كلفة الواردات وتغذي التضخم الذي وصل أصلاً إلى مستويات مذهلة.

لكن الاقتراحات الواردة تفتقر إلى جدول زمني واضح لإدخال هذه التغييرات وتجيز في المقابل للحكومة او وزير المالية بتفويض منها تحديد سعر تحويل من العملات الاجنبية إلى الليرة اللبنانية من أجل استيفاء الضرائب والرسوم (المادة 133). وهذا يعني أنه لا يوجد إطار محدد حول آلية تعديل أسعار الصرف، وهو إقرار ضمني بأن نظام سعر الصرف المتعدد سيستمر في المستقبل المنظور.

وفي وقت نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر رسمي أن مشروع الموازنة يطبق سعر صرف يتراوح ما بين 15 ألف ليرة و20 ألفاً للدولار للنفقات التشغيلية، شرحت مصادر وزارة المالية لـ”لبنان الكبير” أن هناك أسعاراً متعددة سيصار الى اعتمادها؛ بين سعر الصرف الرسمي الذي لم يعد واقعياً أي 1500 ليرة بالنسبة لكل العقود التي تقوم بها الحكومة، و8 آلاف ليرة لجباية الرسوم الجمركية وفواتير الهاتف والانترنت وغيرها، والسعر المعتمد في السوق الموازية بالنسبة الى النفقات التي يجب ان تسددها الدولة بالدولار.

ثالثاً: تناولت المحادثات التقنية التي جرت بين صندوق النقد الدولي ولبنان ضرورة تعزيز الواردات من أجل العمل على خفض العجز المالي. وبالتالي، كان هدف وزارة المالية من خلال هذه الموازنة اتباع عملية حسابية من شأنها رفع أرقام الواردات بتدابير ضريبية قاسية جداً لا يمكن تمرير تطبيقها في اقتصاد منكمش. فمشروع الموازنة يترقب واردات بقيمة 39154 مليار ليرة من 14141 ملياراً في مشروع موازنة العام 2021 التي لم تقر، فيما النفقات 49416 مليار ليرة من 18259 ملياراً في مشروع موازنة العام 2021، اي أن العجز هو في حدود 10262 مليار ليرة ويرتفع الى أكثر من 15 ألف مليار مع إضافة سلفة خزينة طويلة الأجل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان والبالغة 5250 مليار ليرة.

لا شك أن إعادة تصحيح الوعاء الضريبي تعتبر وسيلة أساسية في مواجهة الأزمات، وهي مدماك صلب للبدء بمسار نمو مستدام، لكن ما ورد في مشروع موازنة العام 2022 هو عبارة عن ضرائب عشوائية ستطال المواطن في الدرجة الأولى الذي سيكون عاجزاً عن سدادها بسبب عدم تصحيح راتبه. إذ خلا مشروع الموازنة من أي بند لتصحيح الرواتب والأجور، مع العلم أن من شأن هذا الإجراء أن يفاقم العجز لكونه لا يأتي من ضمن خطة شاملة تؤمن تمويله كما حصل عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب.

كما أن هذه الضرائب سوف تغذي التضخم الذي وصل إلى مستويات خيالية، كما ستؤدي حكماً الى تعطيل عملية إعادة إطلاق الاقتصاد وتحفيز النمو، لكون المرحلة الاستثنائية الأليمة التي يمر بها لبنان تفترض تفادي فرض الضرائب.

تدل تجربة لبنان الاقتصادية على مر التاريخ على أن الأثر الاقتصادي الأكثر إيجاباً للسياسة المالية يكون من خلال ترشيد الإنفاق والحد من وقع الضرائب على الطبقات الوسطى والتي تشكل العامود الفقري في الاقتصاد الوطني. لذلك فإن ما تقوم به الحكومة هو خطير جداً وله تداعيات قد تكون كارثية على الاقتصاد الوطني.

رابعاً: تواصل الحكومة دعمها لمؤسسة كهرباء لبنان بمنحها سلفة طويلة الأجل بقيمة 5250 مليار ليرة لسداد عجز شراء المحروقات وسداد أقساط القروض والفوائد لصالحها. ولم يشر مشروع الموازنة الى خطوات اصلاحية من شأنها ان تعيد اطلاق هذا القطاع المتهالك الذي استنزف الخزينة والذي يعتبر المسؤول عن أكثر من نصف الدين العام.

خامساً: الانفاق الاستثماري شبه غائب في مشروع موزانة العام 2022، علماً أن زيادته أصلاً هو أمر ضروري للبدء في مسار النمو.

سادساً: كيف سيتم تسديد العجز الكبير؟ هل سيكون عبر الاستدانة من المصرف المركزي؟ أم عبر إصدار سندات خزينة ولا سيما أن دولة متعثرة عن دفع ديونها عاجزة عن الاستدانة مجدداً؟

سابعاً: لا خطة لمعالجة القروض مع الدائنين الخارجيين. علماً ان خدمة الدين الخارجي قُدرت بـ1200 مليار ليرة من 120 ملياراً في مشروع موازنة العام 2021.

شارك المقال