هكذا يعود الدفء إلى العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة!

رامي الريّس

المنعطف الخطير الذي شهدته العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة بشكل خاص والعلاقات اللبنانيّة – الخليجيّة بشكل عام، هو بمثابة مدماك جديد في الجدار السميك الذي يتم نصبه من قبل بعض اللاعبين والأطراف الإقليميين بين لبنان والعرب. إنها ليست مصادفة، في التوقيت أو في الشكل أو في المضمون، أن يتم نصب هذا الفخ الجديد لتسريع القطيعة والتعجيل بها.

ثمّة خطوات عديدة سبقت القرار السعودي وهي كانت تراكميّة وتدريجيّة لا سيّما أن بعضها كان يتصل بشكل مباشر بالأمن القومي السعودي. الدول لا تتخذ قراراتها بانفعال، وطبيعة تكوين الحكم السعودي تعكس تأنيّاً دائماً في رسم السياسات الخارجيّة ووفق حسابات واعتبارات متنوعة. سياسة الرياض تجاه لبنان لا تخرج عن هذا الإطار.

ليس مطلوباً في هذه العجالة استذكار الوقائع التاريخيّة المتصلة بالمسار التاريخي للعلاقات بين البلدين، أو إعادة تكرار السرديات المعروفة (والمحقة) حول الأدوار الإيجابيّة الكبيرة التي لعبتها الرياض مع لبنان طوال سنوات وعقود؛ ولكن ثمّة حاجة مركزيّة للفت نظر أولئك الذين ينصبون الأفخاخ المتتالية لتدمير هذه العلاقة الثنائيّة بكل عناصر تكوينها وجذورها ومسارات تطوّرها.

ولكن، ماذا لو تمّت مقاربة هذا الملف الشائك من ناحية أخرى تتمحور تحديداً حول البحث المعمق في السبل الأمثل لقطع الطريق على هؤلاء الذين يريدون فعلاً ويستفيدون تماماً من الوصول إلى هذه المرحلة؟ بمعنى آخر، ألا تصب القطيعة في المصلحة المباشرة لهؤلاء؟ المقاربة هنا لا تستند إلى أرقام ومؤشرات الخسائر الزراعيّة (على أهميتها بالنسبة للاقتصاد اللبناني في لحظة شديدة الحراجة يشهد فيها هذا الاقتصاد فصولاً يوميّة من الانهيارات). إنها تستند إلى ما هو أعمق من ذلك وأكثر تعقيداً.

بقدر ما يبتعد لبنان، أو يتم إبعاده عن بيئته العربيّة من خلال خطواتٍ مشبوهة في التوقيت والأهداف، بقدر ما ستصبح استعادته أكثر صعوبة. وماذا يعني عدم استعادته؟ يعني بكل بساطة سقوط لبنان الكبير بتعدديته وتنوّعه، بانتمائه العربي، وموقعه العربي، ودوره العربي. ويعني بشكل أوضح جرّه إلى محاور تتناقض بطبيعة تركيبها وأهدافها وأجنداتها مع تاريخه وجذوره. إن إخراج لبنان من بيئته الحاضنة وإلحاقه بالمواقع الأخرى، هو تقديم موطئ قدم مجاني لتلك الأطراف، وغنيٌ عن القول أن تداعيات هذا الأمر ستطال المنطقة العربيّة برمتها ولا تنحصر في لبنان.

إذا كانت الاعتبارات العقائديّة المرتكزة إلى فكرة العروبة باتت بنظر البعض خارج السياق الزمني والفكري نتيجة الإنكسارات العربيّة المتتالية على مدى عقود، ونتيجة التشويه المنهجي الذي مارسته الأنظمة القمعيّة والديكتاتوريّة التي رفعت شعار العروبة ودجنته وأفرغته من مضمونه من خلال الإطباق التام على الشعوب ومصادرة حرياتها العامة والخاصة؛ فأقله يمكن النظر إلى الجانب المصلحي الصرف (ولو صنّف البعض هذه الرؤية بأنها جاحدة وهي قد تكون كذلك في أحد أوجهها). المصلحة اللبنانيّة تحتّم على السلطة البحث الفوري في كيفيّة استعادة الدفء إلى العلاقات الثنائيّة قبل فوات الأوان.

إن تقزيم المشكلة في تهريب المخدرات إلى السعوديّة وتسخيفها إلى مستوى آلة كاشفة “سكانر” على النقاط الحدوديّة هو استسخفاف بعقول اللبنانيين والعرب وهو مدخل خاطئ لمعالجة المشكلة. المشكلة أعمق من ذلك بكثير. بالمناسبة، أين صار تأليف الحكومة الجديدة؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً