استياء إيراني من لقاء البابا مع السيستاني

علي البغدادي

حملت 48 ساعة قضاها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في العراق رسائل متعددة واطمئناناً من ناحية ضمان النفوذ الإيراني، فيما كانت طهران تشهد صخباً مرتبطاً بالتسريب الصوتي الذي هاجم فيه الوزير الإيراني سياسة الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الذي اغتيل بغارة أميركية مطلع العام الماضي.

وازدحم جدول أعمال ظريف بلقاءات مع الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والنواب) إلى جانب زعماء من الشيعة والسنة في بغداد وقيادات الأكراد في أربيل والزعامات الروحية لمسيحيي العراق بشكل يدلل على فاعلية إيران بالمشهد العراقي ودورها المحوري في جمع الأضداد، والسعي لصهرهم في بوتقة الحلفاء أو على الأقل في خانة غير الأعداء خصوصاً مع الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات التشريعية في شهر تشرين الأول (اكتوبر) المقبل.

ووفقاً لمطلعين على مجريات زيارة ظريف فإن محادثاته تطرقت في جانب منها إلى الترحيب بالوساطة العراقية مع السعودية، والسعي لنزع فتيل الأزمات في عدة ملفات إقليمية، إذ بات صانع القرار العراقي وقبل الانخراط أكثر في تحقيق تواصل أكبر بين إيران والسعودية، أكثر إدراكاً لآلية صنع القرار الخارجي في طهران وإدراك حقيقة أن إيران الدولة التي يمثلها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف غير إيران الحرس الثوري والمرشد الأعلى علي الخامنئي.

وبحسب المصادر، فإن زيارة ظريف إلى المرجعيات الروحية للمسيحين وبالأخص للبطريريك ساكو انصبّ جانب كبير منها على شرح مفهوم ولاية الفقيه لدى الشيعة وأهمية دور المرشد علي خامنئي، في مؤشر يظهر استياءً إيرانياً واضح من زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان إلى المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني وما تحمله من دلالات بشأن تمثيله لشيعة العالم.

وأشارت المصادر إلى أن ظريف حمّل البطريريك ساكو باعتباره ممثلاً للبابا في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى كونه راعي الكنيسة الكلدانية في العالم، رسالة تفيد بوجود رغبة بعقد لقاء بين بابا الفاتيكان والمرشد الإيراني علي الخامنئي في إيران التي تعول على مثل هذه الزيارة لإظهار انفتاحها وتعاطيها الإيجابي مع المسيحيين سيما أن ظريف تحدث عن وجود نواب مسيحيين في البرلمان الإيراني، منوهة إلى أن حديث ظريف في ما يخص لقاء البابا فرنسيس والسيستاني لم يخلُ من العتب والانزعاج لتجاهل إيران التي تتبنى ولاية الفقيه بخلاف المرجعيات الشيعية في النجف.

وأظهرت لقاءات ظريف سياسياً بحسب المصادر وجود توجه إيراني للملمة البيت الشيعي وللبحث عن حلفاء جدد من مختلف المكونات ووجوه جديدة خارج المنظومة الحالية خاصة أن انتفاضة تشرين أربكت الحسابات الإيرانية، موضحة أن “زيارة ظريف ولقاءاته في بغداد تزامنت مع إعلان مقرببن من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعدم خوض الكاظمي شخصياً للانتخابات التشريعية وما أثاره ذلك من إرباك لدى حلفائه ولاسيما رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والمرشح الأسبق لرئاسة الوزراء عدنان الزرفي، يعود إلى وعود تلقاها الكاظمي بضمان بقاء منصب رئاسة جهاز المخابرات بحوزته في ظل شكوك تحيط بإيفاء التيار الصدري بتعهداته بمنح الكاظمي ولاية ثانية في حال فوز الصدريين بالأغلبية”.

ويقول د. حسين أحمد السرحان باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية أن اللقاءات التي جرت في بغداد جمعت “إيران الدولة” (الرئاسة والحكومة) و”إيران الحرس الثوري” يمثلها السفير العميد ايريج مسجدي، مع الأطراف “الشيعية” المشاركة في الحكم. وهذا يؤكد أن الهدف هو لملمة شتات “القوى الشيعية” التي تشظت بعد احتجاجات تشرين وفقدت بوصلتها بفعل حالة الرفض الشعبي المستمرة لهذه “القوى”.

‏وأضاف السرحان أن “لملمة الشتات الشيعي يعتمد على أمرين: الأول، ما تريده إيران وهو لا يرتبط بالعراق فحسب، بل جزء كبير منه له علاقة بطبيعة تطورات مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي؛ والثاني ما تريده (القوى الشيعية) المنقسمة في الأصل وكانت تعتمد على إيران بعد كل انتخابات لتوجيه بوصلتها”، مستدركاً بأنه “لا ننسى أن فاعلين جُدداً فرضوا واقعاً ودخلوا على خط تلك القوى بقوة سلاحهم وهذه الجماعات ربما شكلت – ولازالت – إحراجاً للقوى الرئيسة وتوحيد اتجاه بوصلة هذين الجيلين من القوى الشيعية”، سيقع على عاتق إيران وهذا تحدٍّ بالنسبة لإيران الدولة.”

‏وشدد السرحان على أن “التحدي الآخر للملمة البيت الشيعي مرتبط بانتفاضة تشرين التي لازالت تتجدد بين الحين والآخر وهي احتجاجات شملت محافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية والتي ترفض نظام الحكم بالمطلق وهذه المناطق كانت هي العمق الانتخابي والجماهيري للقوى الشيعية”.

ويبدو أن المأزق الإيراني قد يتعمق في حال عدم القدرة على إعادة ضبط إيقاع الحلفاء السياسيين واستمرار استقواء الجماعات المسلحة بقوة ونفوذ إيران الثورة على حساب ما تسعى لتحقيقة إيران الدولة من تهدئة في ملفات إقليمية حساسة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً