“ذا غارديان”: الهند تحترق بين ناري كورونا والسياسة

حسناء بو حرفوش

تحترق الهند بين نارين: نار كورونا والمتحور الثالث “المميت” للفيروس، في ظل النقص الحاد بالأوكسيجين الإضافي، ونار “الإهانة التي يتعرض لها المرضى بينما يطلب منهم رئيس الحكومة ناريندرا دامودارداس مودي وحلفاؤه الكفّ عن الشكوى”. صحيفة “ذا غارديان” البريطانية كرست مقالاً مفصلاً يظهر “الدرجة المرعبة للصدمة والفوضى والإهانة في البلاد”.

وفي المقال، “صور مؤلمة لألسنة اللهب المتصاعدة من الجنازات الجماعية في مناطق حرق الجثث في الهند التي تجاوزت قدرتها القصوى، والتي تتصدر الصفحات الأولى للصحف الدولية، وقصص عن الأجنحة التي خلت من أي طاقم عمل ووفيات تتخطى عدد الأحياء بأشواط. يموت الناس في ممرات المستشفيات وعلى الطرق وداخل منازلهم. حطب محارق الجثث قد نفد في دلهي، ما دفع بإدارة الغابات لمنح إذن خاص بقطع أشجار المدينة. يستخدم الأشخاص اليائسون أي مادة يمكن استخدامها لتأجيج النار. لقد تم تحويل مواقف السيارات إلى مناطق حرق الجثث. يبدو الأمر كما لو أن جسماً غامضاً وغير مرئي قد توقف في سماء الهند ليمتص الهواء من رئة الناس. وكأن البلاد تعرضت لغارة جوية من نوع مجهول”.

مودي وعصاه السحرية

ويذكّر المقال بتساؤل صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن “مدى إمكانية عزل الهند، بسكانها الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة؟”، وتسليطها الضوء على صعوبة احتواء متحورات كورونا الجديدة سريعة الانتشار داخل الحدود الوطنية، لتأتي الإجابة بأن المهمة “ليست سهلة”.

ويربط المقال بين ما يحدث في الهند والفساد المستشري الذي يطرح أسئلة حول استعدادات الحكومة وأداء اللجان التي شكلتها بغياب محطات توليد الأكسجين الخاصة حتى في أكبر مستشفيات دلهي. وينتقد على المستوى السياسي “كيفية تعاطي مودي مع إعلان أوروبا والولايات المتحدة عن ذروة الموجة الثانية من الوباء. ويعلق على نص خطاب مودي الذي “ينقله بحرفيته ليبقى دليلاً وخوفاً من قيام مودي بإخفائه”: “لم يستخدم أي كلمات قد تعبر عن التعاطف. واستطرد بخطاب متفاخر ومهين حول البنية التحتية في الهند والاستعداد لمواجهة كورونا”.

“وبعد أن تعهد مودي الساحر بانقاذ البشرية، تبين الآن أنه لم يقم باحتواء الوباء، فهل يسمح لنا بأن نشكو من نظرة العالم إلينا كمصدر للعدوى؟ ومن إغلاق حدود الدول الأخرى بوجهنا ومن إلغاء الرحلات الجوية؟ نحن محاصرون بواسطة فيروسنا ورئيس وزرائنا إلى جانب كل الأمراض التي نعاني منها والمعاداة للعلم والكراهية والغباء الذي يمثله مودي وحزبه والسياسة التي ينتهجها؟”

وينتقد كاتب المقال التغطية الإعلامية داخل الهند والتي تتعارض مع الحقيقة، داعياً للعودة إلى البيانات وإلى التجربة التي تظهر أن كورونا قد فاجأ حتى العلماء والمتخصصين في الفيروسات. “إذن، أين هي البنية التحتية الخاصة بـ”كورونا” و”حركة الناس” ضد الفيروس التي تفاخر بها مودي في خطابه؟ لا أسرّة في المستشفيات والأطباء والطاقم الطبي على حافة الانهيار”.

سوق خفية

ومقابل هذه الأزمة، “تزدهر سوق خفية من نوع آخر، لاسطوانات الأكسجين ولكن أيضا للرشاوى. الأكسجين هو العملة الجديدة في بورصة الموت في الهند. تطالب النخبة الهندية من كبار السياسيين والصحافيين والمحامين عبر “تويتر” بأسرّة المستشفيات وأسطوانات الأكسجين. وتزدهر السوق الخفية للأسطوانات. يصعب الحصول على آلات وعقاقير تشبع بالأكسجين. وهناك أسواق لأشياء أخرى أيضًا. في نهاية السوق الحرة، رشوة ثمن إلقاء النظرة الأخيرة على الأحباء المكدسين في مشرحة المستشفى، وأجر إضافي للكاهن الذي يوافق على أداء الصلوات الأخيرة. دون أن ننسى الاستشارات الطبية عبر الإنترنت وعمليات الاحتيال التي تعرض العائلات اليائسة للسلب من قبل أطباء لا يرحمون. في النهاية، قد تحتاج إلى بيع أرضك ومنزلك واستخدام كل روبية متبقية للحصول على علاج في مستشفى خاص”.

ووفقاً للمقال، على الرغم من قسوتها، “لا تنقل هذه الصور العمق والمدى الكاملين للصدمة والفوضى، وقبل كل شيء، للإهانة التي يتعرض لها الناس. سوف تنتظم الأمور في النهاية لكننا لا نعرف من سينجو ليشهد على ذلك اليوم. سيتنفس الأثرياء بسهولة، أما الفقراء فلا. في الوقت الحالي، تتسول المستشفيات للحصول على الأكسجين (…) وأدت أزمة الأكسجين إلى معارك ضارية وغير لائقة بين الدول، حيث تحاول الأحزاب السياسية صرف اللوم عن نفسها”.

ويكرر المقال التحذير من الأرقام المهولة في أعداد الوفيات. “يشير عدد الجنازات التي تتبع بروتوكول كورونا من المقابر ومحارق الجثث في البلدات والمدن الصغيرة، إلى أن عدد القتلى يصل إلى 30 ضعفاً العدد الرسمي. يمكن للأطباء الذين يعملون خارج المناطق الحضرية تأكيد ذلك (…) إذا كانت دلهي تنهار، فما بالك بما يحدث في قرى بيهار وأتار براديش ومدهيا براديش، حيث يفر عشرات الملايين من العمال من المدن، حاملين الفيروس معهم إلى عائلاتهم”.

“ونتج عن النزوح الجماعي هذا العام نوع مختلف من الفوضى: لا توجد مراكز حجر صحي يمكن للنازحين البقاء فترة فيها قبل دخولهم إلى منازل قريتهم. لا يوجد حتى تظاهر هزيل بمحاولة حماية الريف من فيروس المدينة. في هذه القرى، يموت الناس بسبب أمراض يمكن علاجها بسهولة مثل الإسهال والسل. فكيف يتعاملون مع كورونا؟ هل بامكانهم اجراء اختبارات الفيروس؟ هل توجد مستشفيات؟ هل يوجد أكسجين؟ أكثر من ذلك، هل يوجد أي حب أو أي قلق حتى؟ لا. لا يوجد سوى ثقب مليء باللامبالاة داخل ما يفترض أن يشكل قلب الهند العام”.

ماذا عن اللقاحات؟

تواجه الهند بحسب المقال، مشكلة جديدة تتمثّل بارتفاع كلفة اللقاح مقابل الفقر المدقع. “تعتمد الحكومة الهندية كليًا على مصنعين، معهد مصل الهند وبارات بيوتيك. ويُسمح لكليهما بطرح اثنين من أغلى اللقاحات في العالم لأفقر الناس في العالم. (…) ومن المستحيل توقع أن تدفع العائلات التي ترزح تحت وطأة المجاعة معظم دخلها الشهري لشراء اللقاح. في المملكة المتحدة، اللقاحات مجانية وحق أساسي (…) في الهند، يبدو أن أرباح الشركات هي الدافع الأساسي وراء حملة التطعيم”.

وبحسب “ذا غارديان”، “ما يحصل في الهند لا يعكس فقط “فشلاً” حكومياً، بل جريمة صريحة ضد الإنسانية. ويتوقع علماء الفيروسات أن عدد الحالات في البلاد سيزداد أضعافاً مضاعفة ليصل إلى أكثر من 500 ألف حالة في اليوم. إنهم يتوقعون وفاة مئات الآلاف في الأشهر المقبلة، وربما أكثر. الإجابة هي لا. لا يمكن عزل الهند. نحن بحاجة للمساعدة”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً