ماذا لو حوكمَ سليم عياش؟!

عاصم عبد الرحمن

مرَّ على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكثر من خمسة عشر عاماً حتى ثبُت للبنانيين والعالم أن أحد المنتمين إلى تنظيم “حزب الله” هو مَنْ كان وراء ارتكاب إحدى أكبر جرائم القتل في التاريخ الحديث، لما تسبّبت به من انعكاسات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة تخطت الحدود اللبنانية، ففي 18 آب 2020 أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكماً غيابياً بحق سليم عياش. لكن ماذا لو تمت محاكمة سليم عياش حضورياً؟.

عقد كل من رئيس شعبة المعلومات الشهيد اللواء وسام الحسن والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بمشاركة النائب السابق مصطفى علوش وغيرهم اجتماعاً مع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله وأطلعوه على معطيات تفيد باختراق “حزب الله” أمنياً مما يشي بإمكانية توريط الحزب في اغتيال الحريري من قبل أطراف في النظام السوري أو غيره. استمهل السيد نصر الله، المنذهل بما اطلع عليه من معلومات، الوفد 24 ساعة للتحقق والمراجعة، ليعود المجتمعون بعدها وكأن شيئاً لم يكن، تبخّر الذهول واستُهزئ بالمعطيات وعاد الجميع بخُفي حنَيْن.

اندلعت بعد ذلك حرب تموز عام 2006، وتحت شعار “لو كنت أعلم” تبيّن أن أحد أهم أهداف الحرب كان تطيير بند إقرار المحكمة الدولية عن جدول أعمال مجلس الوزراء وما أعقبه من إقفال لمجلس النواب ليقول بعدها الرئيس نبيه بري للرئيس فؤاد السنيورة: “إذهبوا إلى إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن وأريحوني”، فصدر على الأثر قرار تشكيلها الذي حمل الرقم 1757 عام 2007.

ولم تكد المحكمة الدولية تصدر قراراً اتهامياً بحق مسؤولين في “حزب الله” حتى أعلن السيد نصر الله عن تطويبهم قديسين متحدياً العالم بعدم تسليمهم ولو بعد ثلاثمائة عام، على اعتبار أنه يُسقط بذلك مؤامرة دولية أميركية – إسرائيلية لتوريط الحزب واتهامه بجريمة اغتيال رفيق الحريري كمقدمة لنزع سلاح المقاومة.

بعد تبرئة ثلاثة من المتهمين لعدم كفاية الأدلة بحقهم وتوقيف محاكمة المتهم مصطفى بدر الدين إثر مقتله في سوريا عام 2016 كما أعلن “حزب الله”، أدانت المحكمة الدولية سليم عياش بجريمة اغتيال رفيق الحريري غيابياً وفق أدلة تم عرضها بالصوت والصورة للعيان مع إفساح في المجال أمام فريق الدفاع عن عياش المتواري عن الأنظار.

وكان الرئيس سعد الحريري عقب صدور القرار الظني بحق عياش قد اختصر كل الإعتراض الجماهيري والإحباط المستقبلي والآذاري جراء قرار المحكمة الدولية – على اعتبار أن اتهام شخص واحد بالجريمة الزلزال غير مقنع لا بل أن صفقة سياسية ما عقدت محلياً ودولياً مع الحريري – بمطالبته “حزب الله” بتسليم المتهم كجزء من شبكة إرهابية تحتمي فيه لأنها من صفوفه.

وفيما لو أن مسار التحقيق كان ليسلك طريقاً آخر وتمت محاكمة سليم عياش حضورياً واستُجوب من فريق الإتهام، ربما كان ليحدث صدمات كبيرة جراء اعترافات أو معطيات ما، وربما كان “حزب الله” نفسه الذي أعلن عن قداسته لصمم على متابعة محاكمته حتى الرمق الأخير نتيجة اكتشافه في سياق التحقيق خيانة عظمى أو خرقاً أمنياً كبيراً يعرّض الحزب لتداعياته.

سيناريوات افتراضية مبنية على ما دار من حديث بين الحسن وريفي وعلوش مع نصر الله يمكن تخيلها وفقاً للآتي:

– السيناريو الأول: إعتراف سليم عياش بالتخطيط للإنقلاب على قيادة “حزب الله” والتآمر على السيد حسن نصر الله للسيطرة على الحزب وتزعمه وفق أجندة مختلفة وتغيير بوصلة المقاومة يبدأ باغتيال الحريري وذلك بالتعاون مع العدو الإسرائيلي.

– السيناريو الثاني: إعتراف سليم عياش بالتخطيط لتفجير لبنان وإدخاله في أتون حرب أهلية تبدأ باغتيال الزعيم السنّي رفيق الحريري ثم يتبعه باغتيال الزعيم الشيعي حسن نصر الله لتظهر كعملية ثأرية مذهبية وذلك بالتعاون أيضاً مع إسرائيل.

– السيناريو الثالث: إعتراف سليم عياش بالتخطيط لتوريط محور الممانعة في اغتيال الحريري ورمي أدلة واتهامات ضمن الفريق عينه، وبالتالي خلق فوضى تنسيقية كأن تتبادل سوريا وإيران اتهامات بخرق بعضهما البعض أمنياً والعمل على توريط كل منهما للأخرى باغتيال الحريري وذلك بالتعاون مع إسرائيل.

إن السيناريوات الإفتراضية الثلاثة لمحاكمة سليم عياش قاتل رفيق الحريري وما كان ليظهره التحقيق حريّ بـ “حزب الله” أن يسعى إلى جعلها حقيقة لا بل أن يكون سبّاقاً في المطالبة بذلك بهدف الحفاظ على بوصلة سلاحه المقاوم، فيغسل يديه من دم القاتل ويحمي العيش المشترك ويعود إلى لبنان أم أن هناك سيناريو آخر في نفس الحزب؟

شارك المقال