“لبنان الكبير” يعرض خطة الـ٤ مليارات و٩ ساعات…

ليندا مشلب
ليندا مشلب

السيارة موجودة لكنها تحتاج إلى بنزين، بهذه العبارة يلخص مصدر اقتصادي رسمي مشارك في المفاوضات القائمة مع البنك الدولي واقع الكهرباء، شارحاً الخطة التي أعدها وزير الطاقة وليد فياض ويسوّقها داخل الحكومة ولدى الجهات الخارجية… الخطة التي تحمل الرقم ٤ في عهد “تيار الطاقة” تحتاج إلى أربعة مليارات دولار ومدة تنفيذها ثلاث سنوات، وما يجري الحديث عنه هو المرحلة الأولى أي العام الأول الذي يقول وزير الطاقة انه يحتاج لها ١.٣ مليار دولار.

وقبل الحديث عن الخطة ومصادر التمويل، لا بد من عرض واقع الكهرباء والاضاءة على نقاط تعوق تطور القطاع، اذ يقول المصدر: “ان كلفة الإنتاج لكل كيلواط على مؤسسة كهرباء لبنان تقدر بحوالي ١٤ سنتاً لأننا ننتج بواسطة المحطات الحرارية التي تعمل على الفيول والديزل وهو الذي يحتاج الكلفة الأعلى. صحيح أن دير عمار والزهراني يعملان على الفيول والغاز الطبيعي لكننا لم نستخدمهما أبداً على الغاز، والآن نحن بانتظار بدء استقبال الغاز المصري الى محطة دير عمار المرتبطة بالـ pipeline الى العريضة فالحدود السورية الشمالية التي يسلك طريقها الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، وهذه الكمية ستوفر لنا حوالي ٤٠٠ ميغاواط، نضيف اليها ٢٥٠ ميغاواط شراء كهرباء من الأردن بكلفة ١٢ سنتاً للكيلواط الواحد أي أرخص من انتاجنا بـ ٢ سنت (لا نستطيع أخذ كمية أكبر من الأردن لأننا بحاجة إلى ربط بشبكة توتر عال قبل تفريقها)، وأصبح لدينا ما مجموعه ٦٥٠ ميغاواط، اما الباقي فنحن نؤمنه الآن من العراق الذي يزوّدنا بكمية معينة من الفيول، علماً أنه أغلى نوع لأن بترول العراق فيه الكثير من الـsulfure وانتاجه ليس عالياً لكننا نحصل عليه ولا ندفع مقابله الـfresh بل على طريقة الـtroc مقابل تصدير بعض الانتاج اللبناني والخدمات الطبية وغيرها، وهذا يعطينا حوالي الـ٤٠٠ ميغاواط. اذاً أصبح لدينا ما يزيد عن الـ١٠٠٠ ميغاواط (٤٠٠ و٢٥٠ و٤٠٠) الأمر الذي يؤمن توليد طاقة بمعدل ٨ الى ٩ ساعات.

وللتذكير، فاننا سنشتري الغاز المصري عبر قرض من البنك الدولي يبدأ بـ٢٩٥ مليون دولار ويمكن رفع القرض الى ٤٠٠ مليون دولار… وكان يفترض أن ينطلق تنفيذ الخطة في بداية شباط بواسطة الغاز المصري، لكن تبين أن هناك ٣٠ كيلومتراً من الـpipeline عبر خط العريضة تحتاج إلى صيانة وتصليح أعطال، والمصريون يشترطون أن تقوم بذلك شركة خاصة بهم وتحتاج الى مدة شهر.

اذاً، الغاز المصري سيخفض كلفة الإنتاج من ١٤ سنتاً الى ٧ سنتات ونصف لأنه من المعروف عالمياً أن الغاز أقل كلفة بكثير من الفيول. واذا ما أضفنا عليها الـfsru التي ستوضع في معمل الزهراني وهي عبارة عن باخرة تستقر على بعد ٥٠٠ متر من الشاطئ على شاكلة tankers (غاز مسيل مضغوط يتحول إلى غاز لإنتاج الطاقة عبر عملية floating storage regazification unit) بواسطة pipeline قصير موصول بمعمل الزهراني وهذا كلفته حوالي ٤٠٠ مليون دولار، نكون قد أحطنا بكمية ساعات انتاج تصل الى ١٠ ساعات لمدة عام. لكن المقاربة لا تكتمل اذا لم نذكر بأننا ندفع الآن بمعدل وسطي حوالي ٣٠ سنتاً للموتورات، مما يعني أنه مهما كانت الكلفة على المواطن بالتأكيد ستكون أقل من أسعار المولدات الخاصة. وقد أعد وزير الطاقة دراسة لرفع التسعيرة التي ستزيد حسب الشطور: حتى ٢٥٠ الى ٣٠٠ حوالي ٩ سنتات ثم ترتفع الى معدل ٣٥ سنتاً للمستهلكين الكبار، وهذه التسعيرة تسمح بالتوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان التي يمكن، وتدريجياً، أن تكتفي ذاتياً وتصبح غير محتاجة الى الدعم المالي، علماً أن ٧٢ بالمئة من المستهلكين هم الأفراد (المنازل) ويدفعون أقل من ١٤ سنتاً، و٣٠ بالمئة هي للصناعة والتجارة، وأقل من ٨٠ بالمئة من نسبة الـ٧٢ أي الأفراد سيدفعون أقل من ١٤ سنتاً. لكن كل هذا سيبقى سمكاً في البحر طالما لم ننفذ شروط البنك الدولي أي القيام ببعض الإصلاحات الضرورية وفي مقدمها تصحيح التعرفة وتعيين الهيئة الناظمة حتى يوافق على التمويل.

وهنا يدخل المصدر الى طلب وزير الطاقة سلفة الـ٥٢٥٠ مليار ليرة (حوالي ٣٠٠ مليون دولار) لكي يكمل هذه العملية، ومن الأساسيات تخفيف الهدر التقني، إذ يقدر هذا الهدر لدينا بحوالي ١٤% علماً أنه في فرنسا الـEDF لديها هدر ٦%، وعلينا أن نقوم بخفض هذا الهدر الى حدوده الدنيا عبر إصلاح خطوط التوتر العالي والتوزيع التي أصبحت قديمة جداً. ثم هناك هدر غير تقني يقدر بحوالي ٢٥% وهو هدر مالي (يتعلق بالدفع والفوترة والسرقة…) والطامة الأكبر هي في الجهات التي لا تدفع ولا يجبى استهلاكها (المخيمات الفلسطينية والسورية) عدا عن ادارات الدولة والبلديات والشوارع وغيرها، اذ يقدر الهدر في كل هذا بحوالي ١٦٨ مليون دولار سنوياً.

ويخلص المصدر إلى القول: “ان السلفة ولو أخرجت من الموازنة لن يستطيع وزير الطاقة البدء بتنفيذ الخطة الا اذا حصل عليها، وهذا ما قاله صراحة أمام مجلس الوزراء مصطدماً برفض غالبيته العظمى التي شككت في تنفيذها وتخوفت من هدر هذا المبلغ مجدداً. من هنا كانت جملة فياض “اما السلفة أو لا كهرباء” لأنه يعلم أن العملية متكاملة ولن يستطيع تنفيذ مرحلة من دون الأخرى، علماً أنه أعد تقريره ودراسته لهذا العام ضمن الخطة الكبرى التي قدر كلفتها بـ٤ مليارات دولار وتتضمن انشاء محطات حرارية لتوليد طاقة يرجح أن تصل الى ٣٥٠٠ ميغاواط وفق برنامج محدد”.

فهل ينجح وزير الطاقة في تسويق خطته للحصول على السلفة، وسط التجاذب السياسي الكبير وفقدان الثقة بالسياسات البرتقالية في وزارة الطاقة؟ والأهم والأساس هل سيؤمن “المركزي” الدولارات للطاقة للبدء باعادة التأهيل وسط هذا الكباش الكبير مع حاكم مصرف لبنان أولاً، وانخفاض الاحتياطي بالعملة الأجنبية ثانياً؟. على أي حال فإن توليد الطاقة ينخفض يوماً بعد يوم، والغاز المصري والكهرباء الأردنية ليسا بحاجة إلى إعفاء سوريا من عقوبات قيصر فحسب، فالبنك الدولي لن يدفع قرشاً واحداً قبل البدء بالاصلاحات.

شارك المقال