هل فرّط عون بالحقوق التي ادّعاها؟!

حسن الدّر
حسن الدّر

لمصلحة مَن حصل ما حصل منذ استلام رئيس الجمهورية دفّة التّفاوض حول ترسيم الحدود البحريّة مع العدوّ الاسرائيليّ؟!.

سؤال جدّيّ برسم فخامة رئيس الجمهوريّة وفريقه الإعلاميّ والسّياسيّ. سؤال بعيد كلّ البعد عن المهاترات الإعلاميّة والمناكفات السّياسيّة، فالمسألة تتعلّق بالسّيادة والحقوق الوطنيّة الّتي تسقط أمامها كلّ الاعتبارات والحسابات الضّيّقة.

ولا بدّ من التّذكير بمسار التّفاوض الّذي قاده الرئيس نبيه بري، على مدى عشر سنوات، ومقارنته بمسار التّفاوض الّذي يقوده الرئيس عون منذ أقل من سنتين.

يومذاك تحمّل الرئيس نبيه برّي ضغوط موفدي الولايات المتّحدة الاميركية المتعاقبين، الّذين حاولوا استغلال الخطّأ الّذي ارتكبته حكومة الرّئيس فؤاد السّنيورة مع قبرص، حيث أوفد السنيورة عام 2007، ومن دون أي قرار من مجلس الوزراء، ومن دون أي تشاور مع رئيس الجمهورية آنذاك العماد إميل لحود، مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي إلى قبرص للتّفاوض باسم لبنان على الحدود البحريّة اللّبنانية – القبرصيّة.

خلصت اللّقاءات الى وضع النّقطة “1” كأقصى النّقاط الجنوبيّة لحدود لبنان البحريّة مع قبرص.

ما فعله الرّئيس نبيه برّي في اتّفاق الإطار الّذي أعلنه في الأوّل من تشرين الأوّل عام 2020 أنّه حدّد إطار التّفاوض مع الكيان الاسرائيليّ تحت راية الأمم المتّحدة وبرعاية أميركيّة، وسلّم دفّة التّفاوض إلى رئيس الجمهورية بموجب المادّة 52 من الدّستور الّذي يمنحه حقّ عقد الاتّفاقات الدّوليّة، وأعاد للبنان حقّه في الخطّ “23” الّذي قرّرته الحكومة اللّبنانيّة في 29 نيسان 2009، حيث وضعت تقريراً عيّن بموجبه إحداثيّات الحدود البحريّة الشّماليّة مع سوريا “الخط 7” والجنوبيّة مع فلسطين المحتلّة “الخط 23” وأبلغ لبنان الأمم المتّحدة بالاتّفاق عام 2010.

عشرة أعوام من المفاوضات الشّاقّة بين الرّئيس نبيه برّي والموفدين الأميركيين ولم يلحظ اللّبنانيّون خلالها أيّ “بروباغندا” إعلاميّة ولا احتفالاً أو احتفاءً بالانجاز الوطنيّ، بل هناك من حاول التّشويش على اتّفاق الإطار بعد إعلانه.

اختار الرّئيس برّي الصّمت، كعادته، على الافتراءات الظّالمة والادّعاءات الفارغة، لأنّه يعلم واثقاً بأنّها كأصوات طيور “البط” لا صدى لها، وبأنّ الحقّ الّذي ثبّته لا يستطيع أحدٌ تجاوزه، وهو الّذي أمسك كوب الماء بيده وقال: “كنت دائماً أقول هذا الكوب من المياه لن أعطي على قدره لأحد ولا أريد ان آخذ من أحد بنفس القدر أو أكثر”.

في المقارنة بين إدارة برّي وإدارة عون لاحظ كلّ اللّبنانيين والمتابعين عدّة تباينات تنمّ عن فوارق جوهريّة في مقاربة المسائل الوطنيّة:

– إدارة حكيمة وهادئة قادها الرئيس بري، بعيداً عن التّسريبات والمزايدات الإعلامية في مقابل حفلة مزايدات وسقوف عالية لا أساس لها.

– الرئيس بري التزم الحدود الّتي أودعتها الدّولة الأمم المتّحدة في حين رفع الرئيس ميشال عون وفريقه سقف المطالب بهدف المساومة مع الأميركيين على ملفّات سياسية منها العقوبات على جبران باسيل.

– وضع الرئيس بري قواعد للتفاوض ‏العسكري غير المباشر على أساس اتّفاق نيسان والقرار 1701، فيما شكّل الرئيس عون وفداً ضمّ مدنيين في خطوة اعتبرها الثّنائي، في بيانه الشهير فجراً، مخالفة لاتفاق نيسان والقرار 1701.

– حرص الرئيس بري على سريّة التفاوض وأبعد الملف عن المزايدات الاعلامية والحسابات السياسية فيما استغلّ فريق رئاسة الجمهورية الأبواق “المطرودة والمأجورة” للإيحاء بأنّ عون استعاد ما “فرّط” به برّي.

– تعامل الرئيس بري مع ملف الترسيم بوصفه قضية وطنية سيادية تهمّ كلّ اللبنانيين فيما حاول الرئيس عون تقديم الملف بوصفه إنجازاً لعهده المترامي الفشل.

وفي الخلاصة، صدم الرئيس ميشال عون المطبّلين له اليوم في تصريحه للصحافي نقولا ناصيف عندما قال بأنّ حقوق لبنان البحرية تتمثل في الخط 23 والخط 29 هو خطّ تفاوض وأنّه ملتزم اتفاق الإطار الّذي وقّعه الرئيس نبيه بري!

لا عزاء لكلّ الّذين سقطوا في سوق المزايدات الاعلاميّة وخسروا المعركة الوهميّة بضربة قاضية من الرئيس ميشال عون الذي استعملهم في محاولة للكسب السياسي في القضيّة الوطنيّة، ولمّا خسر الرّهان عاد إلى الحدّ السّيادي الّذي وضعه الرّئيس نبيه بري وترك خلفه المطبّلين له، محتارين ومبهوتين ومصدومين!

شارك المقال