رسالة من رفيق إلى سعد واللبنانيين

عاصم عبد الرحمن

إنه الرابع عشر من شباط يحلُّ ككلِّ عام منذ الـ 2005 مثقلاً بجراح تزداد ألماً وتهن أملاً بغد أفضل، لقد صدق رفيق الحريري يوم وصف قاتله بغير العاقل فهو لم يقتل زعيماً سياسياً بحجم وطن فحسب، بل أحرق أحلام اللبنانيين وأغرق آمالهم في دوامة تآكل سياسي وتصدع أمني وتفتت اقتصادي وتهديد كياني لا ندري إن بلغ الذروة اليوم أم أن الآتي من الإنهيار أعظم بكثير، فكيف يختصر رفيق أيام لبنان الحزينة التي أملت على ولده سعد اتخاذ قرارات كبيرة عقب اغتياله فيما لو تسنت له مخاطبة اللبنانيين عشية ذكراه الـ 17؟

لا شك أن مفاهيم الدولة الحديثة والقانون والمؤسسات والوحدة الوطنية والعيش الكريم وبناء الإنسان والعلم والإعمار تحضرك بحرقة أثناء وقوفك أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي دفع حياته ثمن قيامة لبنان الجديد، فتطفئ حرقتك شعلة الأمل بحياة أفضل للبنانيين وهي الركيزة الثانية التي قامت عليها مسيرة الرئيس سعد الحريري الذي أوكلت إليه قيادتها عقب اغتيال والده عام 2005، هذه المهمة التي لم يكتب له النجاح الكافي لتحقيقها كما حلم والده وناضل هو في سبيلها – بفعل وقائع جيو -سياسية وأحداث أمنية وانهيارات اقتصادية محلية وإقليمية ودولية عصفت بسفينة المشروع الإنمائي فغيرت مجراه التنفيذي وأبحرت باتجاهات أخرى – أسباب أرفقها في خطاب تعليق العمل السياسي.

في حضرة الشهيد وأنت تسأل الله لروحه الرحمة والغفران تشعر وكأنه يخاطبك بصمت، يبتسم بخيبة ويحدثك بأسف عما آلت إليه الأحوال اللبنانية، سقوط مدينته الفاضلة، دمار مشروع الإنسان الذي بناه، ضياع أبناء بلده الأكبر من الجميع كما رآه على الدوام وتخلي البعض عن هويته الوطنية من أجل هويات الآخرين وأهدافهم، ثم يلفحك حزنه الكبير قائلاً: “كيف يقتلني أحد أبناء بلدي الحبيب الذي استودعته الله؟!”.

في حضرة الشهيد ينتابك شعور كأنه يقرؤك السلام ويحمَّلك رسالةً، وأنت تتأمل رفاقه الذين أبوا إلا أن يشاركوه نعمة الاستشهاد على مذبح وطن أحبه حتى الموت في عيد الحب، يقول فيها أيها اللبنانيون:

– حسناً فعل ولدي سعد الذي جاهد من أجل منع الحرب الأهلية، فالدماء يجب أن تسقط فقط في حضرة التحرير ومواجهة الإستعمار لا من أجل حفنة من السلطة والمال.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي تلقى بصدره طعنات 7 أيار غير المجيد فاحتوى تداعياته مطفئاً لهيب فتنة سنية – شيعية حتى الوصول إلى اتفاق الدوحة الإنقلابي.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي آمن بإمكانية إصلاح العلاقات العربية – العربية فزار سوريا والتقى بشار الأسد على مضض بدفع سعودي آملاً باقتناص فرصة سلام للبنانيين.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي جابه انقلاب القمصان السود ضد حكومته المنتخبة ضمن خطوط التماس الديموقراطية محافظاً بذلك على سلامة اللبنانيين وسلمهم الأهلي.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي وقف عند خاطر الأكثرية المسيحية التي أرادت استعادة حقوقها عبر انتخاب الرئيس القوي ميشال عون إيماناً منه بالعيش الوطني المشترك.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي وافق على القانون الإنتخابي بحيث أراد من خلاله المسيحيون وعلى رأسهم البطريرك الراعي تصحيح التمثيل المسيحي دفاعاً عن الوجود الكياني.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي استقال نزولاً عند رغبة مَنْ ثار حقاً ضد المنظومة الفاسدة مانحاً انتفاضة 17 تشرين شرعية الثورة كاسراً لاءات الاستقواء بالسلاح غير الشرعي.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي احتوى بوطنيته آثار قرار المحكمة الدولية التي اتهمت أحد عناصر “حزب الله” بقتلي رافضاً اقتتال اللبنانيين فأثمر استشهادي هدوءاً وسلاماً.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي أصيب بثروته وبعض صداقاته وتحالفاته من أجل بقاء لبنان وعيش اللبنانيين وتجنيبهم كأس حروب الآخرين التي أودت بهم إلى جهنم الحياة.

– حسناً فعل ولدي سعد الذي علق عمله السياسي في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان الذي يصارع البقاء كي يدرك الآخرون ماذا تقترف أيديهم بحق وطنهم علهم يعودون إلى رشدهم.

استشهد رفيق الحريري كي يبقى لبنان ولا شك حسناً فعل فالاستشهاد خلودٌ عند أعتاب الأوطان، ومن أجل هذا اللبنان دفع سعد الحريري كل الأثمان، فالتاريخ أيها اللبنانيون سيحكم بين مَنْ بدمائه وكيانه صان الوطن ومَنْ بأبنائه قد تاجر وخان.

شارك المقال