خطة التعافي: تخبيص وزعبرة وصندوق النقد خرج ولن يعود قبل الانتخابات

ليندا مشلب
ليندا مشلب

حتى الآن رحمة الله وحدها ترعى لبنان. فنحن في مسار انهياري مخيف، والأرقام مقلقة جداً. وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يبيع كل يوم 60 مليون دولار على منصة “صيرفة”، ويقبض من السوق حوالي 15 إلى 20 مليون دولار بالحد الأقصى. أي أنه يتدخل يومياً بحوالي 40 مليون دولار، وهو نزف كبير لا يعرف أحد من أين يصرف، هل من الموجودات الدولارية أم من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي التي دخلت في حساب المصرف المركزي في 16 أيلول الماضي ضمن احتياطاته. الحاكم لا يصرح أبداً من أين يأتي بهذه الأموال، وحده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلم بهذا الأمر.

يرجح مصدر اقتصادي مطلع على الملف أن تكون من حقوق السحب الخاص والبالغة قيمتها مليار و136 مليون دولار. فإذا احتسبنا حجم تدخل وسطي يومي لمصرف لبنان في سوق القطع بـ30 مليون دولار في خمسة أيام في الأسبوع يعني أنه دفع حوالي 600 مليون دولار.

ويقول المصدر لـ”لبنان الكبير”: “كل المعنيين في السوق النقدية يطرحون هذا السؤال. فإذا كانت هذه الأموال تصرف من مبالغ أعلى من مستوى الاحتياطي الالزامي فيجب عندها أن تكون قد نفدت، علماً أن مسار الأمور يؤكد أن الاحتياطي الالزامي أصلاً انخفض الى حدود 12 ملياراً. والاحتمال الثاني أنها تصرف من الاحتياطي، فيما الاحتمال الثالث ولا رابع له هو من حقوق السحب الخاصة”.

ويلفت إلى أن “الكل يعلم أن قيمة الدولار اليوم مصطنعة، لأنه يسعر تقنياً وفق معطيين: الأول سعر السلع في السوق والمسعرة على دولار 35 ألف ليرة، والثاني نسبة حسم الشيكات. فكل شيك بقيمة 100 ألف دولار مثلاً يحسم من قيمته 80 في المئة ويدفع 20 ألف دولار نقداً. أما اذا كانت قيمة 100 ألف دولار بحسب التعميم 151 الذي يحتسب الدولار على اأساس 8 آلاف ليرة، فان مبلغ المئة ألف دولار يساوي 800 مليون ليرة. واذا قسّمنا هذا المبلغ يظهر أن سعر الصرف هو 40 ألف ليرة. هذه عملية حسابية تقنية يعرفها الخبراء والملمّون بالحركة النقدية. اذاً الدولار النقدي يخسر من قيمته حوالي 15 ألف ليرة، والخسارة تقع على كاهل من يتعامل ببيع الدولار”.

ويضيف: “الأهم أن ما يقوم به الحاكم ليس من عندياته، فهذه سياسة متفق عليها في الوقت الراهن، ولو أراد أن يتدخل ويلجم الدولار لكان قام بذلك منذ البداية حين كان الوحيد الذي يملك سلطة التدخل عندما كان الدولار في حدود 4 آلاف ليرة”.

ديون الدولة

ويثير المصدر موضوعاً “في غاية الأهمية، وهي ديون الدولة بالليرة والتي تبلغ مقومة بالدولار حدود 70 مليار دولار (على أساس سعر الصرف الرسمي). فإذا ارتفع الدولار ليصل الى حدود 50 ألفاً مقابل الليرة، تصبح تكلفة هذه المحفظة صغيرة جداً. وبالتالي، هناك مصلحة للدولة اللبنانية في أن تقلص هذا المبلغ بارتفاع سعر الدولار، فتسدد ديونها بأرخص الأثمان. فسياسة تقليص الديون أصبحت مكشوفة. ومن المفيد التذكير بأن الدين العام الاجمالي للدولة، أي بالليرة وبالعملات عبر سندات اليوروبوندز، في حدود 100 مليار دولار، وهي اليوم تقلصت عملياً الى حدود حوالي 25 مليار دولار (أي الدولة سددت حوالي 75 مليار دولار عبر لعبة سعر الصرف ومن دون أي جهد). فحاملو سندات اليوروبوندز يوافقون من دون شك على استيفاء 50 في المئة من مستحقاتهم، وهم على الأرجح يقبلون بهذا العرض”.

ويوضح المصدر في هذا الاطار أن “الودائع بالعملات الأجنبية تبلغ 104 مليارات، حوالي 64 مليار دولار منها فوائد، يعني يمكن أن يكون المودع قد سحب أصل وديعته وما تبقى له فوائد. أما الخاسر الاكبر فهو من يملك وديعة أو تعويضاً بالليرة، ومن لم يسحب قيمة ايداعه الحقيقية. يعني بينما نحن مشغولون بأمورنا ومشاكلنا، هناك من يعمل ليل نهار لتصفية معظم الديون الداخلية. من هنا يجب التوقف عند ما تم تسريبه من معلومات حول أن صندوق النقد الدولي أوقف التفاوض مع لبنان واشتكى من عدم جدية الدولة. فقد كشفت مصادر موثوقة مطلعة على الملف أن الرئيس ميقاتي يعمل مع حاكم مصرف لبنان على تقليص الفجوة المالية من دون تدخل صندوق النقد الذي اعتبر أن كل ما يقدم له هو تخبيص وزعبرة. كما أنه يشترط قبل التباحث معه أمرين، الأول قص أو haircut بنسبة 40 في المئة والثاني توحيد سعر الصرف”.

ويتابع المصدر: “إن قيمة الفجوة في القطاعين المصرفي والمالي تبلغ فعلياً 90 مليار دولار بينما تحتسبها خطة الحكومة بـ69 ملياراً. والصراع مع حاكم مصرف لبنان مرتبط بشكل كبير بهذه العملية، وابعاده عن الساحة أكبر من مسألة حسابات وأموال خاصة. فالفرنسيون يريدون تغييره، والأميركيون يتمسكون به. أما صندوق النقد الدولي، فينظر الى الأمر بشكل مختلف تماماً. وهناك فضائح كبيرة ستُكشف اذا ما وقّع لبنان مع الصندوق في الوقت الراهن. كما أن الحاكم لا يريد صندوق النقد، والأخير لا يريد الحاكم. والامرة المالية والنقدية ستسحب من يد الحاكم الى حساب الصندوق. وهذا ما لا يمكن أن يحصل حالياً، ومعروف أن قيود صندوق النقد الدولي تفرض على المصارف أكثر منها على الدولة، لأن وضع لبنان يختلف عن كل أوضاع البلدان المتعثرة في العالم. ورئيس الحكومة سبق وأعلن في أكثر من جلسة خاصة أن حاكم مصرف لبنان يملك حلولاً أفضل حالياُ من الاتفاق مع صندوق النقد الذي يفرض خمسة شروط لايرام اتفاق مع لبنان، على رأسها شفافية القطاع المالي. ولعل إعلانه الاخير أنه يتشاور وليس يتفاوض مع الحكومة اللبنانية خير دليل على أن لا شيء جدياً حتى الآن… وسبق لميقاتي أن أعلن أن لديه أربع خطط (لازارد، المصارف، خطة نحاس وتوجهات صندوق النقد) كلها سيئة ولم نقرر حتى الآن أي منها سنختار والمحصلة… لا شيء للبنان الآن، لا مال ولا انقاذ ولا مؤسسات دولة ولا كهرباء ولا من يحزنون. ونحن ننتظر التسوية الإقليمية والدولية، وهذا واقع وليس تحليلاً لأن النظام الحالي انتهى والدولة في حالة انحلال. حتى أن الانتخابات رهينة الصمود وأخطر مراحلها قبل أسبوعين أو ثلاثة من اجرائها. فكل مراجع الدولة تقول: بتصير الانتخابات الا اذا حصل تطور كبير… فما هو هذا التطور؟؟؟ من يعلم؟”.

شارك المقال