“ميدل إيست مونيتور”: ذراع إسرائيل تمتد في الداخل الأوروبي

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني في خانة الرأي، مقالاً يلحظ الخطر الذي تشكله إسرائيل كقوة تجسس بالنسبة للولايات المتحدة، وسلط الضوء على نشاط الموساد الإسرائيلي في الداخل الأوروبي والذي يهدد حرية وأمن الصحافة.

وفيما يأتي ترجمة المقال:

“كثيراً ما سمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب ولفترة طويلة جداً. وقد حظيت بصفتها “بؤرة للحضارة في الغابة”، بدعم من قوى الإمبريالية الأوروبية والأميركية على مدى عقود. ويعني التراجع في الترحيب بالإمبراطوريات الأوروبية النظر لإسرائيل على أنها واحدة من آخر المشاريع الجارية للاستعمار الاستيطاني الأوروبي في العالم. لذلك، حققت إسرائيل منذ فترة طويلة نجاحًا كبيرًا في مناشدة العنصرية النظامية للحكومات الأوروبية كدافع للحصول على الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي.

وينظر السياسيون الغربيون غالباً في العلن إلى إسرائيل على أنها دولة “صديقة” أي حليفة. ولكن القصة مختلفة تمامًا في الكواليس، خصوصاً بين مسؤولي المخابرات الغربيين. وخير مثال على ذلك، وثائق وكالة الأمن القومي التي تعرضت للتسريب والتي كشف عنها المخبر إدوارد سنودن في العام 2013. وتؤكد هذه الوثائق أن وكالات مكافحة التجسس الأمريكية التي تصنف إسرائيل على وجه التحديد، من ضمن حلفائها المفترضين، تنظر إليها في الواقع كأحد أكبر تهديدات التجسس. في الحالات الشبيهة الأخرى، نظر إلى هذه التهديدات كإعلان أميركي صارخ للعداوة، على غرار ما حصل مع الصين وإيران وكوبا وفنزويلا.

ولا يصعب كثيراً فهم السبب وراء اعتبار الجواسيس الإسرائيليين تهديدًا للمخابرات الأمريكية، في الخفاء. فقضية خيانة جوناثان بولارد توضح هذا وحده. لقد استغلّ بولارد، وهو ضابط المخابرات البحرية الأمريكية السابق، تصاريحه الأمنية للخيانة والتجسس لصالح إسرائيل. وبالنتيجة، أمضى 30 عامًا في السجن قبل أن يطلق الرئيس باراك أوباما سراحه. وبمجرد تحرره من قيود الإفراج المشروط العام الماضي، نُقل بولارد على متن طائرة عضو اللوبي الإسرائيلي، الملياردير الإسرائيلي شيلدون أديلسون، إلى إسرائيل في شهر كانون الأول. وهناك، حظي باستقبال حار من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي انتظره على مدرج المطار. ولاقى بولارد، الخائن الأمريكي، ترحيب البطل القومي في إسرائيل.

لم يبد بولارد أي ندم على الإطلاق بمجرد وصوله إلى إسرائيل. بل على العكس تماماً، في مقابلة مطولة مع صحيفة “ميريام أديلسون” الإسرائيلية في شهر آذار، أكد أنه لن يتوانى أبداً عن إعادة الكرّة إذا سنحت له الفرصة وشجع الأميركيين على أن يحذوا حذوه. ورداً على سؤال حول النصيحة التي قد يقدمها لضابط مخابرات أميركي شاب مفترض تم تجنيده من قبل الموساد بنفس الطريقة، رد بولارد بأنه “من عدم المقبول عدم القيام بأي شيء” وبأن الثمن الذي دفعه لإسرائيل كان يستحق العناء. ومع ذلك، حذر من أن أي رجل ينوي اتباع مثاله، يجب أن يبقى متيقظاً.

وتعمل نخب الإعلام السياسي بشكل كبير على إخفاء التدخل الإسرائيلي الفاضح والمفتوح في الانتخابات الديمقراطية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لكن أحد زملائي (أي زملاء كاتب المقال) أبلغني هذا الأسبوع عن بعض اكتشافات جديدة ومذهلة حول أنشطة المخابرات الإسرائيلية في أوروبا. لقد استدعت الشرطة المحلية بإسبانيا الصحافي الفلسطيني، معاذ حامد، الذي يقيم في البلاد، بذريعة كاذبة حتى يتمكن جاسوس إسرائيلي من استجوابه حول عمله وتهديد سلامته، بحسب ما يقول.

بالنسبة للبعض، قد تبدو هذه القصة خيالية. لكن الصحافي المرموق الذي يعمل في محطة العربي التلفزيونية التي تتخذ من لندن مقراً لها، أبلغ ووثق بالتفاصيل جهود الجواسيس الإسرائيليين لتجنيد فلسطينيين في أوروبا. وأثار هذا الأمر مخاوف لجنة حماية الصحافيين بشأن القضية مع الحكومة الإسبانية التي رفضت حتى الآن التحقيق.

وكشف حامد باشتباهه بأن الجاسوس، الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه باسم “عمر”، كان عميلاً للموساد. وحاول هذا الأخير في البداية التعريف عن نفسه على أنه بلجيكي من أصل فلسطيني. ولكن حامد لاحظ على الفور لهجة عبرية مميزة عندما بدأ الرجل يتحدث بالعربية. فرد على الرجل الغامض باللغة العبرية أيضاً. فأجأ الأمر وأحرج مجموعة الجواسيس ورجال الشرطة، علماً أن الكثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية يتقنون العبرية ويتحدثونها كلغة ثانية، وخصوصاً أولئك الذين عملوا لوقت في إسرائيل أو أمضوا فترة كسجناء سياسيين.

سرعان ما اعترف المدعو “عمر” بأنه يعمل بالفعل لصالح إسرائيل. واستجوب حامد بشأن عمله الصحفي كما أدلى بتصريحات حول التنصت على هاتفه ووجه له تهديداً من العودة إلى فلسطين. غادر حامد رام الله في العام 2014 وتعيش أسرته في خوف في إسبانيا منذ هذه الحادثة، حتى أن زوجته تخشى أن تفتح الباب لأي شخص. وبقيت العديد من علامات الاستفهام مطروحة حول قضية ينبغي أن تشكل فضيحة دولية. من هما الشرطيان اللذان عرفا عن نفسيهما بهذه الطريقة؟ لماذا أحضرا حامد إلى مركز الشرطة للاستجواب الإسرائيلي في وقت متأخر وخارج الدوام الرسمي؟ ولماذا تسمح الدولة الإسبانية على ما يبدو للموساد بالإفلات من العقاب على أراضيها السيادية؟ هل سيجد معاذ حامد وعائلته الأمان في أي مكان في العالم؟

تطول ذراع إسرائيل وتمتد داخل أوروبا يوما بعد يوم”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً