بيان “الخارجية” ورّط لبنان… “لعب ولاد” ومهزلة ومخالفة للدستور

محمد شمس الدين

إنفجرت شرارة الحرب الروسية – الأوكرانية، وطبعاً اللبنانيون في “كل عرس الهن قرص”، انقسموا بين مؤيد لروسيا وآخر لأوكرانيا، كأن فلاديمير بوتين هو ابن عمهم، أو فولوديمير زيلنسكي ابن خالهم. خلال هذا الجدل، صدر بيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي أدان روسيا وطالبها “فوراً” بسحب قواتها من أوكرانيا. وقد أثار هذا البيان سخرية الجمهور اللبناني، واستهجاناً في الوسط السياسي، كما أثار الاستغراب عند الروس، بحيث أصدرت السفارة الروسية في لبنان بياناً أعلنت فيه دهشتها من البيان، بينما وزير الخارجية عبد الله بو حبيب رفض الكشف عما إذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون على علم بمضمون البيان، واعتبر الأمر من “أسرار الدولة”. وقال: “أنا لابس درع، قوصوا عليي وحدي بموضوع البيان”. فما تعليقات الأوساط السياسية والديبلوماسية على هذا البيان؟

رأى وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور في حديث الى موقع “لبنان الكبير”، أنه “ما كان للبنان أن يزج نفسه في هذا الأمر”، قائلاً: “هذا البيان لا يعبّر عن سياسة النأي بالنفس التي يذكرنا بها دوماً رئيس الحكومة ويشدد عليها. يبدو أن هناك من ضغط من أجل إصدار البيان بهذا الشكل حتى أننا لم نر اعتراضاً من رئيس الحكومة. واليوم بالنسبة الى وضع دقيق وشائك ويحمل في طياته تجاذبات دولية عديدة، لا لزوم للبنان أن يصدر بيان إدانة لدولة صديقة، هذا غير مقبول، وكان بالامكان إصدار بيان يتضمن تمنياً على الأفرقاء اللجوء إلى الحل الديبلوماسي من أجل تحقيق السلام، ولكن إدانة بهذا الشكل والتركيز على أن ما يحصل هو اجتياح روسيا لأوكرانيا، فهل هذا يعبّر عن وحدة القرار اللبناني؟”.

أضاف: “نرى وزارة الخارجية تتراجع وتقول ان روسيا دولة صديقة ولسنا في وارد إدانتها، كأن البارحة كان الكسر واليوم هو الجبر. هذا الاستخفاف في التعامل مع دول كبيرة مثل روسيا هو مهزلة، كيف لا والبيان تضمن مطالبة بالانسحاب الفوري؟ من يطالب؟ لبنان يطالب روسيا التي اتخذت هذا القرار بعد استنفاذ كل الوسائل الديبلوماسية؟ حتى الغرب تخلى عن أوكرانيا. لقد ورّط لبنان نفسه بهذا البيان، وهذا التخبط الداخلي منذ سنوات عدة يمنع توحيد القرار اللبناني بشأن سياساته الخارجية”.

من جهته، اعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة البيان “مخالفاً للدستور”، مشيراً الى أن “المادة 65 من الدستور واضحة في هذا الأمر، وليس من صلاحيات وزير الخارجية قرارات بهذا المستوى. السياسات الخارجية للدولة تحتاج إلى اجتماع مجلس الوزراء”.

وتساءل: “أين سياسة النأي بالنفس والحياد؟ ماذا يربح لبنان من هذا النوع من البيانات؟ ألا تكفينا الصراعات التي لدينا كي ننخرط في هذا الصراع؟. فليخبرونا ما هي المكاسب التي يجنيها لبنان من بيان كهذا كي نسير معهم، لقد استعجل وزير الخارجية، بينما أميركا لم تصدر موقفاً رسمياً بعد”.

أما عضو كتلة “الوسط المستقل” النائب نقولا نحاس فرفض التعليق على الموضوع، موضحاً أنه لم يتواصل مع رئيس الحكومة في هذا الشأن ولا يعرف التفاصيل التي أدت إلى صدور البيان.

الموقف نفسه اتخذه عضو تكتل “لبنان القوي” النائب أسعد درغام، الذي أكد أن لا معطيات لديه بشأن البيان، لكنه اعتبر أن “وزير الخارجية عندما يتكلم فهو يقول موقف لبنان في السياسات الخارجية، وقد تكون هناك ملاحظات مشروعة على كلامه، ولكنه عادة ما تكون لديه معطياته وظروفه”.

ولفت الى أن “المواقف من وزير الخارجية تكون عادة بالتنسيق بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وبما أنه لم يصدر أي رد من الرئاستين، فهذا يعني أن هناك رضى على هذا البيان”.

ورأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبي قاطيشا، أن “لبنان اليوم يسير بالتهريب، حتى في الديبلوماسية، بحيث أن الكل تبرّأ من البيان، ونفوا معرفتهم به”. وقال: “نحن ضد الحرب بالإجمال، ونفضل أن تُحل كل النزاعات بالطرق الديبلوماسية، ولكن لا مصلحة لنا باستعداء لا روسيا ولا أوكرانيا، وكان أقصى ما يمكن أن يتضمنه البيان هو الدعوة الى الحوار والمفاوضات، أما هذا التحذير (فوراً)، فلا يستعمل في الديبلوماسية، وأي دولة غير القوى العظمى مثل أميركا مثلاً تكون تجلب البهدلة لنفسها”. وتساءل قاطيشا ساخراً: “هل كنا سنرسل الأساطيل اللبنانية لمواجهة روسيا؟”.

من جهتها، علقت أوساط “حزب الله” لموقع “لبنان الكبير” على البيان، ورأت أن الطريقة التي يدير بها المسؤولون البلد “ولادية”، مستغربة “كيف أن الوزير بو حبيب المتمرس بالديبلوماسية، ويعتبر أحد عمدائها وفقهائها يصدر عنه مثل هذا البيان؟”. وقالت: “يبدو أن الوزير رتّب الأمر مع رئيس الحكومة، كون مستشار رئيس الجمهورية أمل أبو زيد هرع الى معالجة تداعيات البيان”.

وأشارت الأوساط الى أن “الحزب نفسه الذي يُعتبر حليفاً لروسيا، لم يصدر عنه بيان لا تأييد ولا إدانة لأحد، لأن ذلك ليس مطلوباً أصلاً، وكان يمكن إصدار بيان ديبلوماسي يدعو إلى الحلول الديبلوماسية والحوار، لا أن يكون إدانة وتحذيراً”.

إذاً، بيان رسمي للدولة اللبنانية يتعلق بسياساتها الخارجية تبرّأ منه الجميع في العلن، ولكن ما أدرانا بما يجري خلف الأبواب المغلقة؟. ما جرى يدل على التخبط الذي يعيشه المسؤولون في الدولة، وبعد أن كان لبنان من رواد الديبلوماسية في العالم، أًصبح يصدر بيانات ويتراجع عنها، كأن الأمر “لعب ولاد”.

شارك المقال