“تثبيت” الأسد… “تفكيك” لبنان

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

تثبيت بشار الأسد ونظامه في سوريا، وتفكيك النظام البرلماني اللبناني. هذان هما طرفا المعادلة التي يعمل جبران باسيل، ورئيسه وتياره، لفرضها على أرض الواقع. الطرف الأول للمعادلة (التثبيت) جاهر به باسيل خلال زيارته موسكو قبل أيام، مع اقتراب إجراء الانتخابات الصورية الرئاسية في سوريا.

أما “التفكيك” فجار العمل عليه منذ زمن طويل، منذ التوقيع على اتفاق مار مخايل في 6 شباط 2006، اذ لم يوفر التيار العوني فرصة إلا استغلها مسنوداً ومدعوماً بـ”فائض القوة” التي راكمها “حزب الله” فارضاً سلاحه غير الشرعي فوق الشرعية، من أجل ضعضعة مؤسسات الدولة شيئاً فشيئاً وصولاً إلى تفكيكها حتى وصلنا إلى دولة فاشلة بكل المعايير.

أن يختار باسيل موسكو ليدلي من هناك بصوته لمصلحة مرشحه المفضل، الأسد، فلإدراكه أن هذه العاصمة الكبرى، التي لا تخفي تأييدها السياسي لخصمة اللدود، سعد الحريري، يهمها الآن في الظرف السوري الحساس، لجهة عدم وضوح أين يمكن أن تتقاطع مصالح كل اللاعبين (الولايات المتحدة، تركيا، إيران و”حزب الله”) على الميدان لإعادة رسم خارطة سوريا، الجغرافية قبل السياسية، وبالتالي فإن “تثبيت” الأسد سيؤمن لها حرية الحركة لوقت طويل، بعدما رسخت نفوذها داخل البلد وفي مياهه وباتت صواريخها تطال معظم الشرق الأوسط عبر سفنها في البحر المتوسط.

وكانت وزارة الخارجية الروسية اعتبرت في بيان أصدرته يوم الجمعة الماضي أن “تنظيم الانتخابات الرئاسية في سوريا يمثل شأناً داخلياً لهذا البلد ويتوافق بالكامل مع متطلبات دستوره الذي تم تبنيه عام 2012 والقوانين المحلية، ولا تتناقض هذه الإجراءات بأي شكل من الأشكال مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وغيره من القرارات الدولية التي تعتمد على احترام سيادة سوريا”.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أبلغ مجلس الأمن قبل أيام أن “اللاعبين الدوليين المحوريين” مهتمون بتكثيف الجهود الديبلوماسية لإحراز تقدم نحو إنهاء الأزمة في سوريا.

وقال بيدرسون: “هناك حاجة لمزيد من الديبلوماسية الشاملة والبناءة لإحراز تقدم نحو حل الأزمة، التي تشهد تدويلاً كبيراً مع كبار المسؤولين من عدد من الدول وبينها روسيا وأميركا وتركيا وإيران والعالم العربي وأوروبا”.

يعني أن “التثبيت” حاصل باعتباره مهلة لـ”اللاعبين الدوليين المحوريين” لتدبير مقاربة جديدة لتصور مستقبل هذا البلد ونظامه، وتضمنه روسيا باعتبارها أقوى اللاعبين على الأرض… مقاربة تتطلب وقتا طويلاً.

ومحاولة باسيل الظهور وكأن له، وللطرف اللبناني الذي يمثله، يداً أو كلمة في هذا “التثبيت” ولو من باب إعادة اللاجئين، لا تعدو كونها محاولة لإرباك الحسابات الروسية، من خلال الترويج لاحتمال إعادة الوصاية السورية على بيروت، وسط تقارير إعلامية معروفة الهوية تتحدث عن قرب قرار توكيل دمشق بالشأن اللبناني، بسبب حالة الشلل السياسي والأزمة متعددة الوجوه.

هذا التضليل الإعلامي يغفل عن حقيقة أن القرار السوري، بصغيره وكبيره، بات في يد موسكو التي ستظهر “نصرها السوري” بعرض عسكري جوي في قاعدة “حميميم” بمناسبة عيد النصر في الحرب العالمية الثانية (1941 – 1945) وهي لا تبدو حالياً في وارد التورط في حسابات فئوية ضئيلة يتقن باسيل ومن خلفه إثارتها.

لا شك أن باسيل، ومن خلفه من قوى لبنانية، سيسعدهم “تثبيت” عودة الوصاية السورية، التي ما وفرت جهداً وفرصة لضرب النموذج الديمقراطي اللبناني النقيض تماما لنموذج “سوريا الأسد”، وهو ما يتلاقى جداً مع الهدف المرجو من سياسات العرقلة المعتمدة حالياً من الرئيس ميشال عون وصهره، والتي تتجاوز عرقلة الحكومة إلى إعاقة مؤسسات الدولة، وصولاً إلى “فراغ في الرئاسة” يوصل إلى “نظام رئاسي” ليبدأ “لبنان عون”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً