لو كنت في القدس؟

زاهر أبو حمدة

يتشتت في بقاع الأرض أكثر من ثمانية ملايين فلسطيني. ماذا يمكن أن يفعل المشتت في المنافي والبعيد عن وطنه، وهو يشاهد ما يحصل في العاصمة الفلسطينية؟ يكتفي بالدخول إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي ويطلق “بوستاً وطنياً” متخيلاً أنه رصاصة، أو يشارك منشوراً أو صورة حول الأوضاع متصوراً أنه ينقل جريحاً من باب العمود إلى المستشفى. حين تشعر بالعجز الفيزيائي عن فعل شيء سوى في العالم الافتراضي، يعني أن ما يحصل كبير وكبير جداً.

سأل أحدهم صديقه: لو كنت في القدس، ماذا تفعل؟ أجاب: أعتصم مع المرابطين في المسجد الأقصى، أو أوزع عليهم المياه وبعض الطعام، وأستنفر لصد “منظمات المعبد” التي ستهاجم في 28 رمضان الحالي. ويحتمل أن أنتقل إلى باب العمود وأحاول حماية امرأة من بطش الاحتلال أو أمنع اعتقال أحد الشباب. ويمكن أن أتوجه إلى حي الشيخ جراح ليس متضامناً مع العائلات التي يسرق المستوطنون عبر محكمة الاحتلال بيوتهم، إنما مدافعاً بجسدي عن ذكريات الساكنين الأصليين. ولدي خيارات أخرى، منها أن أحاول إطفاء حرائق المحاصيل والأراضي الزراعية في بلدة بورين وأشارك اللجان الشعبية في مواجهة المستوطنين؛ وأهمها أن أكون مثل منفذ عملية زعترة، وأفرغ ما أملك من غضب ورصاص بأجساد جنود الاحتلال.

هذا حوار افتراضي، ينتهي عند الواقع: أنت لست في القدس. لكنه يلخص وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، على الرغم من كل المسافات والاختلافات والهموم لكل جزء من الشعب، علماً أنه يصح تسميته بالشعوب الفلسطينية. فأوضاع فلسطينيي لبنان تختلف عن الفلسطينيين في سوريا أو الخليج أو أوروبا أو الأميركتين، هذا ناهيك عن الاختلاف بين غزة والضفة أو أراضي عام 1948. هذه الشعوب هي في الأصل شعب واحد ينتمي إلى أرض واحدة، لكن الظروف تفرض اهتمامات متعددة كل حسب بيئته. ويجمع الفلسطينيون على قضية القدس وأهميتها السياسية والدينية وأنها عصب القضية الفلسطينية، لذلك يتوحدون ميدانياً ونفسياً حول ما يخصها ويجري فيها.

وفي المقابل، كيف يمكن تقديم الدعم للأهل في القدس؟ من المفيد التفاعل الإعلامي والرقمي بلغات متعددة لإيصال القضية إلى الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم. وهذا له آثار معنوية ونفسية على أهلنا في القدس. وكذلك يرفع حالة الوعي وينشر الرواية الصحيحة في مواجهة دعاية ورواية الاحتلال، عبر كشف نوايا الاحتلال والمنظمات الاستيطانية ونشر المعلومات حولها. وعلى الأرض، يمكن تنفيذ الفعاليات الميدانيّة في الأقطار العربية والإسلامية، وأمام المؤسسات الدولية والسفارات الغربية، ليصل الصوت إلى داعمي آخر احتلال على الكرة الأرضية. فالمشاركة في المسيرات والأنشطة الضاغطة على الاحتلال والحكومات لاتخاذ الموقف اللازم لردع الاحتلال، تفضح الجرائم لتتدخل محكمة الجنايات الدولية ووقف الإجراءات الإسرائيلية.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً