نمر لبنان الكبير إن حكى

عاصم عبد الرحمن

قال عمر بن الخطاب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!”، تلك حكاية حرية لا يمكن لها أن تنتهي فصولاً ما دام هناك نبض يخفق في قلوب البشر، عدا ذلك السلطان الجائر الذي يخشى قول كلمة حق في حضرة طغيانه فيعمد إلى إسكات الحر مستخدماً أساليب اعتقد اللبنانيون أنها طويت مع زمن الوصاية السورية. فأي رسالة يحمل استدعاء محمد نمر إلى اللاعدالة الصحافيين؟

تنص الفقرة “ب” من مقدمة الدستور على أن “لبنان ملتزم بمواثيق منظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الدولة تجسيد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء”. كما تنص الفقرة “ج” على أن “احترام الحريات وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد هي من دعائم النظام الديموقراطي”. وقد أكد المجلس الدستوري اللبناني على أن “قوام الديموقراطية يكون في احترام الحقوق والحريات العامة (قرار رقم 1\97 تاريخ 12\9\1997)”.

وعليه تؤكد المادة 13 من الدستور على أن “حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الإجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون”.

ووفقاً لأحكام قانون المطبوعات في المادتين 28 و29 منه فإن الصحافي لا يمثل إلا أمام قاضٍ، كما أن محكمة المطبوعات وحدها تنظر في جميع قضايا المطبوعات إلا في حال اقتضت الدعوى تحقيقاً فعندها يتولاه قاضي التحقيق.

وهكذا يبدو الدستور والقانون واضحَيْن لناحية تقديس حريات الرأي والإعلام وينظمان حقوق رواد هذه الحريات وواجباتهم.

أما وقد استُدعيَ ناشر ورئيس تحرير موقع “لبنان الكبير” الصحافي محمد نمر من قِبل المباحث الجنائية المركزية في قصر العدل بناءً على إخبار قدمته رئاسة جمهورية “بَيّْ الكل”، فإن القانون واضح لا لبس فيه لناحية عدم صلاحية المرجع المستدعي وفيه تعدٍ صارخ على حريات الرأي والتعبير والإعلام ونشر لثقافة الدولة البوليسية، فالمباحث الجنائية ليست مخولة النظر بقضايا المطبوعات بل إن محكمة المطبوعات هي المرجع الصالح، وذلك على الرغم من قيام موقع “لبنان الكبير” بنشر رد رئاسة الجمهورية حول الخبر موضوع الدعوى المقدمة من قبلها، وهو ما أدى إلى إطلاق موجة استنكار غير مسبوقة لهذا الاستدعاء على وقع اندلاع ثورة تضامن وتأييد من قبل صحافيين وإعلاميين وسياسيين ومحامين وأحزاب والأبرز الحركة الجماهيرية التي تضامنت مع الصحافي نمر الذي يبدو أنه مشروع استهداف ليس حرياتي فحسب بل سياسي يحمل استدعاؤه رسالة استعلاء فوق مشروع سياسي يظنه الواهمون أنه سقط عند أعتاب اعتكاف تيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري عن العمل السياسي راهناً، ذلك أن الصحافي محمد نمر لطالما آمن بمشروع رفيق الحريري السياسي وانتهج فكره التنويري في سبيل حرية الرأي والتعبير عن الحلم الكبير في بناء لبنان الكبير الذي يتسع لجميع أبنائه على السواء وهو ما يعكسه موقع “لبنان الكبير” الاخباري من تعددية وتنوع فكري ومذهبي وسياسي وغير ذلك، كما يمتاز محرره بحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، بسلاسة النقاش وقوة الحجة، بفيض الكلمة واستشعار المسؤولية وبجرأة الإدعاء وامتلاك البيِّنة.

إذاً، لا شك أن الرأي العام يزداد وعياً يوماً بعد يوم أن عراضات التلهي في ادعاء التعرض لرئاسة الجمهورية وحماية الموقع من بوابة الطائفة لم يعد يجديها نفعاً في إنزال ستارة التملص مما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، فهل تُسقط الحريات العامة مفهوم الدولة والقانون أم أنها تشكل ركائزهما؟

شارك المقال