الجيش يعارض “الاعتذار”… ويلتزم قرار عون بالترسيم

رواند بو ضرغم

بخطى ثابتة تتحرك المؤسسة العسكرية بقيادتها لتحييد الجيش عن السجالات السياسية والنعرات الطائفية التي يلوّح بها القادة السياسيون خدمة لمصالحهم الضيقة. همّ المؤسسة العسكرية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة أن تؤمن الأمن الغذائي لعديدها وضمان استمرارية وحدتهم وتغليب مصلحة الوطن على الانتماءات الطائفية… فهذه المؤسسة، التي قضت على الإرهاب، تستمد قوتها من شعبها ووقوفه إلى جانبها، فأعظم دول العالم تحسد هذه المؤسسة التي تأتيها التبرعات والمساعدات من اللبنانيين المقيمين فيه والمغتربين… وحتى أثناء المداهمات والاشتباكات في المناطق، يلتزم العناصر بأوامر قيادتهم وبالمصلحة العامة، مبتعدين عن حسابات بيئتهم ومناطقهم وطوائفهم، لذلك لا خوف على وحدة الجيش وقدرته على التصدي لمخاطر الانقسامات في صفوفه… أما المشكلة الوحيدة التي تواجه رأس هذه المؤسسة، فهي لعنة السياسة الدائمة وطبيعة الواقع اللبناني التي أرست وصول قائد الجيش إلى سدة رئاسة الجمهورية، على الرغم من أن هذا الطموح مشروع، إذا كان الطامح ناجحاً وكفوءاً وعلى مسافة واحدة من مختلف الأطراف اللبنانية.

اتهامات كثيرة توجهها الأطراف السياسية إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون بأنه يعمل للوصول إلى سدة الرئاسة، خصوصاً أنه قريب من الأميركيين ومن “حزب الله” في الداخل. والدليل الذي يستخدمونه ضده هو التشكيلات العسكرية التي رجحت كفة “حزب الله” على باقي الأطراف السياسية، على عكس ما كان معمولاً به بأن تأخذ حركة “أمل” الحصة الأكبر… هذا الكلام ينفيه من هم مطلعون على هذه التشكيلات، مع الإصرار على أنها نُفذت وفقاً للكفاءة والمناقبية.

وقد أثبت قائد الجيش أنه ناجح في إدارة المؤسسة العسكرية لأنه لم يرضِ أحداً. الأميركيون يتهمونه بأنه قريب من “حزب الله” و”حزب الله” يتهمه بأنه مقرب من الأميركيين… فيما هو في الواقع يعمل وفق معايير الكفاءة والمحافظة على هذه المؤسسة. لم يضع نصب عينيه أي هدف سياسي ولا يطمح إلى الرئاسة ولم يعمل على إرضاء السياسيين ولا يأخذ توجيهات من أحد.

لا تتدخل المؤسسة العسكرية في الملف السياسي وتحديداً موضوع تأليف الحكومة، على الرغم من أنها أكثر المستفيدين من الإسراع في تأليفها وعودة الحياة السياسية إلى هدوئها، لأن التوافق السياسي ينعكس إيجاباً على كافة المؤسسات، فكيف بالحري المؤسسة التي تحافظ على أمن وأمان البلاد!

والأهم من كل ذلك، ونتيجة قراءة في التغيرات الإقليمية واستباقاً لأي تقارب أميركي – ايراني أو سعودي – سوري، نصيحة وُجهت إلى المعنيين بأن تؤلف الحكومة قبل تسليم لبنان سياسيا لأي جهة أجنبية، وذلك في ظل تخوف من قبل الأطراف السياسية من إعادة تسليم لبنان إلى السوريين، ولو حتى عودة السوري سياسياً لا عسكرياً، فمع وجود حكومة يصبح تأثير الأطراف الخارجية أقل وطأة… ولكن أثبتنا أننا لا نستطيع أن نحكم أنفسنا بأنفسنا..

أما عما يُحكى عن توجه الحريري إلى الاعتذار عن عدم التأليف، فتفضل هذه المصادر استمراره في مهمته ولكن هذه المرة بتوجيه بوصلته إلى الداخل.

في ملف ترسيم الحدود البحرية، تحصر المؤسسة العسكرية مهمتها في التفاوض في الشق التقني حصراً من غير الدخول من التفاصيل السياسية، على الرغم من أنها تعلم أنه لو كان مرسوم تعديل الحقوق البحرية وُقع من رئاسة الجمهورية، لكان موقف الوفد المفاوض أقوى. وهي ترفض الدخول في الزواريب السياسية وأهداف البعض للمساومة على سحب العقوبات الأميركية، فهمّ المؤسسة العسكرية محصور فقط بالحفاظ على حقوق لبنان النفطية، وحق اللبنانيين في بدء التنقيب عن النفط والغاز لإنقاذ بلادهم من أزمته الاقتصادية… المؤسسة العسكرية بعيدة عن نوايا السياسيين في هذا الخصوص، وغاياتهم واستراتيجياتهم، والوفد المفاوض سيلتزم قرار رئيس الجمهورية، فإذا قال فاوض على اساس خط ٢٩ او ٢٣ او ١ فالوفد سينفذ…

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً