عزل روسيا عن الشبكة ومستقبل الانترنت في العالم

حسناء بو حرفوش

كثر في الفترة الأخيرة تداول عبارة “بلقنة الويب” على خلفية الحرب في أوكرانيا، خاصة وأن روسيا تعتبر من أكثر البلاد “ارتباطاً رقمياً في أوروبا”. أما اليوم، فقد تغير الوضع تماماً منذ غزو أوكرانيا. توقفت شركات التكنولوجيا الأميركية مثل Microsoft و Oracleعن بيع البرامج في روسيا. كما لا يستطيع العديد من الروس الدفع مقابل تطبيقات الشبكات الخاصة التي يستخدمونها للالتفاف على الرقابة الحكومية على مواقع مثل Facebook، بعد أن أوقفت Visa و Mastercard العمليات هناك، وفقاً لتغطية “أن بي سي نيوز” الأميركية.

ووفقاً لمؤلف كتاب “الشبكة الحمراء” حول الكرملين والانترنت في روسيا، “تواجه موسكو تداعيات اعتمادها الكبير على الانترنت. ودخلت منذ ثلاثة أسابيع في اختبار لم يشهده عالم الانترنت من قبل، إذ تقف قوة اقتصادية وعالمية كبرى شبه معزولة على الانترنت بعد أن قطعت العقوبات الدولية العديد من الخدمات من الخارج. وقد يؤثر هذا الوضع ليس على الروس العاديين وحسب، وإنما أيضاً على الفهم الجماعي لما كان من المفترض أن يشكل شبكة عالمية، وليس شبكة مقسومة رقمياً.

وتوقع الخبراء أن تلجأ روسيا إلى الصين لشراء برامج وأجهزة في حال انقطاعها عن المنتجات الأميركية والأوروبية لفترة طويلة. وقد تضطر روسيا للبحث عن اتصالات مادية كافية للحركة على الانترنت إذا رفضت الدول المجاورة أو الشركات غير الروسية للحركة عبر كابلات الألياف الضوئية البرية. وقال أندرو سوليفان، الرئيس التنفيذي لجمعية الانترنت، إن الحرب الروسية في أوكرانيا “سبب قوي للغاية” يحرك نوعاً من الرد عبر الانترنت، ومع ذلك لم يخف قلقه من آثار هذه السابقة. وقال: “بمجرد فتح باب التعطيل السياسي، سنجد أن التوتر سيبقى دائماً جزءاً من الانترنت”.

مناورات ديبلوماسية

ومارست أوكرانيا ضغوطاً لصالح عزل روسيا عن الانترنت كطريقة للضغط على الرئيس فلاديمير بوتين لوقف غزوه. لكن الموقف يشير إلى إمكان تقسيم الانترنت في المستقبل على طول الحدود الوطنية، حيث تمتلك حكومة كل دولة ما يمكن أن يشبه مكتباً جمركياً لمحتوى الانترنت المستورد. وفي الأصل، حتى قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا، ضغطت روسيا والصين باتجاه بروتوكول إنترنت جديد من شأنه أن يمنح مزودي الانترنت القدرة على حظر أي موقع ويب أو تطبيق يختارونه. وقالت كارين كورنبلوه، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن “روسيا تريد اكتساب القدرة على قطع الوصول إلى الإشارة، أي إلى تطبيق الرسائل الآمنة والمشفرة”.

كما أضافت إدارة جو بايدن قوة ديبلوماسية إلى المعركة الدولية على الانترنت، وأعلنت عن مكتب جديد للفضاء الالكتروني والسياسة الرقمية العام الماضي. وتكتسب المخاوف بشأن “بلقنة الويب”، زخماً لأسباب أخرى في السنوات القليلة الماضية. وسعت إدارة دونالد ترامب من دون جدوى الى حظر تطبيقين صينيين شائعين TikTok و WeChat في العام 2020.

موطئ قدم وسائل الاعلام الاجتماعية

بالنسبة الى روسيا، أتت العزلة سريعة بشكل صادم وتطول قائمة شركات التكنولوجيا الأميركية والأوروبية التي تغادرها: أوقفت Google مبيعات الاعلانات وعلقت خدمة Netflix وقطعت Amazon الشحنات وسحبت Apple منتجاتها من واجهة متجرها على الانترنت في روسيا، وأعلنت شركات أخرى عن خطوات مماثلة. أما الاستثناء الأكبر فأتى من جانب تطبيقات الوسائط الاجتماعية مثل Facebook و Instagram و Twitter، والتي لم تنسحب فحسب، بل إنها تقاتل الحكومة الروسية للبقاء كشريان حياة للمعلومات غير الخاضعة للرقابة. ولا يزال YouTube، أحد منتديات المعارضة أيضاً، غير محظور، لكن الخبراء يتساءلون إلى متى.

وليست المعارك حول الرقابة الحكومية بجديدة أو فريدة من نوعها في روسيا. ما هو مختلف الآن هو كيف يمكن للجغرافيا السياسية أن تؤثر على توجيه حركة الانترنت. وبشكل عام، يتصل بلد ما ومزودو الانترنت المحليون به بالانترنت العالمي عن طريق شراء النطاق الترددي بالجملة من حفنة من الشركات الكبيرة، والدفع حسب الحجم. وتشتري Rostelecom، وهي شركة روسية لخدمات الانترنت، من حوالي ست شركات، وفقاً لشركة Kentik، وهي شركة تراقب حركة مرور الانترنت، وإذا توقفت شركة واحدة أو أكثر عن البيع، فقد تتباطأ الخدمة اعتماداً على مقدار الركود في النظام.

ويكمن الاختلاف عالمياً هذه المرة في وحدة الاستجابة الأميركية والأوروبية، والتي تضمنت إجراءات أخرى غير مسبوقة، مثل الحظر الجزئي على “سويفت”. وأكدت نيكول ستاروسيلسكي، أستاذة الاعلام والثقافة والتواصل في جامعة نيويورك، أن روسيا تمتلك نقاط اتصال في جنوبها وشرقها من شأنها أن تبقيها متصلة إلى حد ما، حتى لو كانت الخدمة بطيئة.

وفكر بوتين في فصل روسيا عن الانترنت منذ العام 2014 على الأقل، وأمضى سنوات في الضغط من أجل جعل “الانترنت السيادي” أكثر استقلالية عن البلدان الأخرى من خلال البرامج المحلية. حتى أن روسيا لديها مجموعتها الخاصة من البرمجيات المكتبية على غرار “مايكروسوفت”، لكن الخبراء قالوا إن الجهود لم ترق إلى مستوى أهداف بوتين. وأكد مسؤول روسي الأسبوع الماضي أن بلاده لم تضع خططاً لقطع الاتصال بالانترنت.

وقد تتطلع روسيا، حسب خبراء، الى شراء بدائل صينية، لكن في الوقت الحالي، هددت الولايات المتحدة المصنعين الصينيين بعواقب في حال التدخل. وتلتزم تايوان بالعقوبات الدولية ضد روسيا. وقد تميل الحكومة الروسية الى بناء ضوابط الانترنت الداخلية تماماً كما في الصين لكن ذلك سيستغرق سنوات من الجهد وموارد هائلة وسيتطلب مواهب لا تمتلكها روسيا.”

شارك المقال