انتخابات تراجيدية كوميدية

محمد شمس الدين

“بهالنهار الأبيض مثل الثلج والثلج في مثل الأبيض”، “مسيطر عليه… كنت مقرر… كنت عم ببحث… عن إمكانية خوض هيدي المعركة… بعتذر… إخوان…”، “أنطوانيت فيكي تسحبيلي ياها”، غيض من فيض الخطابات الانتخابية على الساحة اللبنانية اليوم، لا إصلاح، لا إنماء، لا إعادة جنى عمر الناس، خطابات هزيلة، لاعبو الورق في المقاهي الشعبية لديهم خطاب أفضل. أما عن البرامج الانتخابية، فحدث ولا حرج، هي إما برامج شعبوية المضمون من دون أي رؤية تنفيذية حقيقية أو هجوم على الخصوم والمحور الآخر من المحورين المشتبكين في البلد.

زايد الكثيرون على الرئيس سعد الحريري، هذا يتهمه بالارتهان وذاك يتهمه بالضعف، واليوم ينقلون عنه كلمات خطاباتهم، أو يتهربون من الاجابة تحت شعار “ليجي الصبي منصلي عالنبي”، علماً أن جل ما أراده الحريري هو الحفاظ على استقرار البلد وسط عواصف الاقليم، حيث سالت الدماء في كل الدول المحيطة.

ويراقب اللبنانيون اليوم آخر مآثر الخلاف التاريخي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، بعد فشل مشروع “أوعى خيك”، فالأول يذكر الثاني بماضي ميليشيا الحرب الأهلية، على مبدأ أنه يمكن أن تتصرف كميليشيا طائفية إذا كنت ترتدي البزة العسكرية، والثاني يتهم الأول بالارتهان لايران، على أساس أنه لم يسر يوماً بأجندات غير داخلية، وشاهد على ذلك “فليحكم الإخوان”. بينما المعركة فعلاً هي على كسب مقعد بالزائد عن الانتخابات الماضية، لأن كل ما يهم التيار هو الحفاظ على المكتسبات وبناء المحظيات الخاصة، و”القوات” كل همها أن تكون شريكة في هذه المكتسبات على مبدأ المحاصصة، هذا ما نص عليه مشروع “أوعى خيك”، الذي كان اتفاقاً بين “المرتهنين” و”السياديين”، وتستغل لغة المحاور من أجل تحقيق هذا الأمر.

أما القوى التي تصف نفسها بـ “التغييرية”، فهي أيضاً منقسمة بين المحورين، تطرح برامج انتخابية إصلاحية بعناوين رنانة، وعند مساءلتها عن كيفية تنفيذها لا تجد الجواب الشافي، علماً أن كلاً من الأحزاب السياسية، طرح البرامج نفسها بشكل أو بآخر على مدى عقود من الزمن، ولكنه كان يصطدم بتضارب المصالح بين الطوائف في الداخل، إضافة إلى تضارب مصالح الدول الاقليمية المرتبطة بالشأن اللبناني، فإذا كانت قوى سياسية عريقة ذات تمثيل شعبي كبير لم تستطع فرض مشاريع إصلاحية، إلا من “الجمل إذنه”، كيف سيتمكن المبتدئون بالعمل السياسي من فرض هذه القوانين؟ علماً أنه كان لبعض هذه الشخصيات تجارب في الشأن العام، وعندما لم تجر الأمور كما تريد، اتخذت واحداً من ثلاثة نُهج:

1- الاعتكاف، أي لا يحضر إلى عمله معترضاً، إن كان في وزارة أو مديرية أو مؤسسة عامة.

2- الاستقالة، وهنا لا يعتكف عن العمل بل يقرر تركه تحت شعار”فشلت، ولم أستطع العمل مع هؤلاء السياسين”.

3- الانضمام إلى اللعبة السياسية والرضوخ للأمر الواقع.

بعد هذه التجارب، إضافة إلى التجربة النقابية الفاشلة للقوى “التغييرية”، التي دفعت بالمجموعات النقابية إلى القول: “ألف سلطة فاسدة وناجحة ولا ثوري واحد فاشل”، كيف يمكن للقوى التغييرية أن تقنع اللبنانيين بتفضيلها على القيادات التقليدية؟ هل يكفي أن تكون هذه المجموعة مع “المقاومة” أو مجموعة أخرى ضد “الاحتلال الايراني”، بينما الأحزاب السياسية تمتلك كوادر وأفراداً في كل مناطق نفوذها يتابعون مع الناس بشكل يومي، ويقضون حاجاتهم حتى لو من حسابها الخاص؟ إن كان هناك من يظن أن الشعب اللبناني ينتخب المشرّع، فهو واهم، غالبية اللبنانيين تنتخب الشخصية التي تحضر مناسباتها وترد على هاتفها عند الوقوع في مشكلة.

إذاً، بعد خطابات انتخابية تسببت بسخرية عارمة، وأخرى تشد العصب عبر الهجوم على محور من المتصارعين، وقوى “تغييرية” تعيش في كوكب آخر، بجانب كوكب العهد البرتقالي، يمكننا التنبؤ أن الاستحقاق الانتخابي المقبل سيكون مسرحية تراجيدية كوميدية لن ينساها اللبنانيون، و”العوض بسلامتك يا وطن”.

شارك المقال