ماذا وراء قطع أوصال الأوتوستراد الدائري؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

وقف تخطيط أوتوستراد ايكوشار… قرار مرّ في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال ولم ينتظر رئيس الجمهورية الأمانة العامة للمجلس كي تدرجه على الجدول، علماً أن وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية أرسل اقتراحاً بالغائه وكانت تجمع المعلومات لتكوين ملف قبل إدراجه، فماذا وراء الاستعجال به؟

تقول مصادر وزارية لموقع “لبنان الكبير”: “ان مجلس الوزراء فوجئ في جلسته التي عقدت في القصر الجمهوري يوم الجمعة ٤ آذار بإصرار رئيس الجمهورية على البت بهذا الأمر سريعاً ومن خارج جدول الأعمال، تحت ذريعة تحرير أملاك الناس”. لكن المصادر غمزت من قناتين: الأولى شعبوية عشية الانتخابات النيابية، والثانية وهي الأخطر: ربط لبنان الشمالي بالجنوبي مروراً ببيروت لم يعد مخططاً استراتيجياً في ظل الحديث الجدي عن اللامركزية وما رافقها من مخاوف من أن تكون مقدمة لفيدرالية!. فهذا التخطيط وضع على الورق في العام 1966 وتقرر على أساسه أن ينشأ طريق من خلدة الى ضبيه ويمر بشكل دائري حول بيروت من دون المرور في قلب المدينة، لذلك تم وضع إشارات على الأملاك والعقارات التي يمر فيها التخطيط لمنع البناء عليها وهذا الأمر يحصل في كل دول العالم. لم ينفذ التخطيط لأسباب عدة بدأت بارتفاع كلفة استملاك الأراضي التي تحولت إلى أراض غالية الثمن عقارياً مثل بيروت (الحازمية، الحدث، الزلقا، الجديدة، المكلس…). منذ العام 1966 الى العام 1975 لم ينفذ لأن الوقت كان لا يزال مبكراً ولم يكن هناك تضخم سكاني ومشكلة مواصلات. ومن العام 1975 الى العام 1990 عاش لبنان سنوات حرب متواصلة. ومنذ العام 1990 بدأت ترتفع أسعار الأراضي فأصبحت كلفة الاستملاكات أعلى من كلفة تنفيذ المشروع نفسه، وبدأ التأجيل حتى صدور قانون في العام 2006 يعدّل الاستملاكات وأعطى الدولة مهلة 5 سنوات اما أن تنفذ التخطيطات القديمة واما تصبح ساقطة. في العام 2011 حصل جدل كبير حول ما اذا كانت هذه المهلة تحتسب من بدء الاستملاكات أو قبلها، أي اذا كانت الدولة قد استملكت جزءاً منها أم لم تستملك عندما قررت الحكومة حينها العمل على التقليل من كلفة الاستملاك من ضمن الدراسات الجديدة مع المحافظة على الناحية الهندسية والفنية والمواصفات العالية والترابط ما بين المناطق، فأصبحت حدود حرم الأوتوستراد ما بين 30 الى 39 متراً وهو مؤلف من جسر علوي يحمل السير السريع ويقع تحته مسار للنقل العام والى جانبي هذا المسار طريق خدمة.

هذا الجدل القانوني حسم في جلسة بعبدا في ٤ آذار الجاري، وبموجب هذا التخطيط لم يتمكن مالكو الأرض والعقارات من البناء أو استثمار هذه الأراضي التي وضعت عليها الاشارات. وتقدر هذه العقارات بنحو 7 آلاف عقار(٥٠ متراً عرضاً). بالمبدأ تقول المصادر، “هناك وجهة حق في هذا الأمر لأن الدولة قامت بالتخطيط وبدأت بعملية الاستملاك من دون استكمالها ولم تنفذ المشروع، وبالتالي أصحاب العقارات لديهم الحق الكامل في المطالبة بأملاكهم. لكن أي دولة في العالم لا يمكن أن تتخلى عن تخطيط استراتيجي كهذا، وكان يجب أن تجد له حلاً منذ زمن خاصة بعدما أصبحت زحمة السير خانقة وقد هدر الكثير من الأموال، فلماذا لم تعر الحكومات السابقة هذا المشروع أهمية خاصة وكان الأساس ضمن المخطط التوجيهي لربط كل لبنان بالأوتوسترادات العالية، وتخلت عنه من دون بديل وتم حذفه نهائياً عن الخريطة؟ فكل الطرق التي تم تنفيذها في لبنان تفترض وجوده، وكان بمثابة العمود الفقري لها، ولم يعد هناك ما يربط في ما بينها، وإذا تبدلت الأحوال في الزمن الواعد وأعيد النظر فيه فقد يصبح الأمر في غاية الصعوبة الى حد الاستحالة، بعد تحرير العقارات التي سيستخدمها أصحابها حتماً للبناء أو لاقامة المشاريع والاستثمار عليه. حتى أن خارطة بيروت علىGoogle map ، تظهر هذا التخطيط الذي سيختفي مع الأيام”.

وتضيف المصادر: “كان يجب النظر الى المصلحة العامة وليس الضيقة لحسابات انتخابية، فقد يأتي يوم وتلام هذه الحكومة وهذا العهد على ما فعلاه، وكان يمكن بألف طريقة تفادي هذا الأمر، فالأوتوسترادات تكون في غاية الأهمية في بلدان مثل لبنان يغيب فيه النقل المشترك مقابل الاستعمال الكبير للسيارات الخاصة (٨٠ بالمئة من اللبنانيين). ويتضمن المشروع دراسات مرور وجدوى اقتصادية في مقدمها التخفيف من الضغط والازدحام على الشوارع الداخلية، ما يسرّع العجلة الاقتصادية ويلحظ الترابط عبر إنشاء مخارج ومداخل بشكل يؤمن التواصل بين أجزاء البلدات، كما يؤمن وصل أوتوستراد الجنوب بالشمال بطرق سريعة، وبالأوتوستراد العربي في منطقة الحدث ليتم الدخول إلى بيروت من الجنوب والشمال والشرق بواسطة طرق سريعة، وتصميمه الجديد الدائري يؤدي إلى عدم فصل المناطق السكنية عن بعضها بتأمين مرور السيارات والمشاة واستحداث عدد من المحولات عند المناطق الرئيسية المتصلة بالضاحية والشويفات وخلدة وبشامون – عرمون… مع التذكير بأن من خطط هذا الأوتوستراد هو المهندس الفرنسي ميشال ايكوشار وقد سمي المشروع باسمه. ولا يعوّض عن هذا الخطأ سوى خطة نقل عام جدية وحديثة أسوة بالدول المتطورة وهذا الأمر مدرج حالياً على لائحة الصعوبات. فهل طرحه كان انتخابياً بامتياز أم أن الغرف المغلقة درسته من نواح أخرى أكثر خطورة، حيث لا حاجة الى ربط المناطق ببعضها؟”.

شارك المقال