fbpx

كيف عبّدت الحرب السورية الطريق لغزو أوكرانيا؟

حسناء بو حرفوش
تابعنا على الواتساب

رأى السفير الأميركي السابِق فريدريك هوف في إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انفتاحه الصريح على احتمال مشاركة المرتزقة السوريين في ما أسماه “تحرير أوكرانيا من النازيين”، أمراً طبيعياً، خصوصاً وأن “سوريا هي المكان الذي تدربت فيه قوات بوتين لمهاجمة أوكرانيا، وأتقنت فيه ممارسة قصف المستشفيات”. ووفق قراءة للسفير في موقع معهد “نيوزلاين” الأميركي، أن “سوريا تمثل المكان الذي ارتكب فيه الرئيس السوري بشار الأسد، بتشجيع من بوتين، سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية على مدى عقد من الزمن. وتتقاطع نتائج الحرب السورية التي تترجم بالموت والمرض والنزوح والدمار، الجسدي والروحي، مع ما يحدث حالياً في أوكرانيا. كما يتماشى تجنيد مؤيدين مسلحين للأسد للمشاركة في أوكرانيا تماماً مع ما فعله الأسد وبوتين بالفعل في الداخل السوري. ومع ذلك، لن تؤثر أعداد المرتزقة السوريين، وإن بلغت بضع مئات أو حتى عدة آلاف، بشكل ملموس على النتيجة العسكرية في أوكرانيا كما لن تغير المد ولن تنتج عنها نتائج عسكرية حاسمة. ومن المرجح أن تستخدم هذه الأعداد في الهجمات البرية لاختبار الدفاعات الأوكرانية، مما يجنّب القوات الروسية الخسائر التي يرغب بوتين في تفاديها لأسباب سياسية.

انفصال الأسد عن المجتمع الدولي

وسيسمح للناجين من هذه المهام الانتحارية من دون شك بالظفر بغنائم الحرب. ومع ذلك، سيؤشر وصولهم إلى أوكرانيا لانفصال الأسد الرسمي والصريح عن المجتمع الدولي (…) وبالنظر إلى الماضي، لطالما كان الأسد ملحقاً بإرادته أو بغير قصد، بخطة بوتين لكسر نظام الأمن الجماعي بعد الحرب بشكل حاسم وإفراغ “مسؤولية الحماية” من أي معنى، مع الاصرار على نفي استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا كما في أوكرانيا (…) بالنسبة الى السوريين، تُركوا من دون حماية ومن دون أن يلاحظهم أحد إلى حد كبير على الرغم من مئات الآلاف من الوفيات ولجوء 6 ملايين شخص ونزوح 6 ملايين آخرين داخلياً، عدا عن إصابات لا حصر لها وصدمات لا توصف والتعذيب والاغتصاب والمجاعة. ولا شك في أن الاهتمام الذي ينصب على الأوكرانيين ينتج تفاعلات مختلطة لدى السوريين الذين يتساءلون عن التخلي عنهم. كما لا يمكن التراجع عن التخلي غير المبرر بشكل مخجل عن سوريا من قبل الغرب المنجرف بلا قيادة. لا شيء يمكن أن يبطل المعاناة التي أتاحها فشل الغرب في حماية الأشخاص المستهدفين عمداً بوابل المدفعية والبراميل المتفجرة والذخائر الكيماوية. ومع ذلك، تنطبق الدروس التي يمكن تعلمها على كل من أوكرانيا وسوريا.

بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في أيلول 2015، ارتبط العذر الأميركي غير الرسمي لترك المدنيين السوريين من دون حماية باحتمال الانجرار إلى حرب عالمية ثالثة (…) تخيلوا تأثير هذه الكلمات على بوتين: يخشى الأميركيون أن تندلع حرب نووية بسبب حادثة مسلحة في سوريا، والآن ها هم يعبّرون عن الهاجس نفسه في أوكرانيا. قد يخيل لبوتين أنه إذا كان هذا الخوف هو الأهم في أذهان الأميركيين، فهل سيبدون أبداً استعداداً لمواجهته في أي مكان؟ إذا وجدوا أن المواجهة الروسية – الأميركية في سوريا وأوكرانيا غير مقبولة، فهل سيجدونها كذلك في بولندا ورومانيا ودول البلطيق؟ في النهاية ما هي مواطن الاختلاف؟ المادة 5 من حلف الناتو؟ هل تستحق حرباً نووية بنظر واشنطن؟ بالتالي، قد يجد بوتين أن أوكرانيا بمتناول يديه وأنه قادر حتى على استخدام بعض المرتزقة السوريين. ليس من الضروري افتراض غياب الاستقرار العاطفي لدى بوتين للوصول إلى مثل هذا الاستنتاج، لكن القيام بذلك سيكون في غاية الخطورة. وتقضي وجهة النظر المطروحة بافتراض أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو سيقاتلون بالفعل من أجل الحفاظ على وحدة أراضي جميع أعضاء الناتو؛ وأنهم عازمون على هزم الغزاة الروس ومستعدون للمخاطرة بحرب نووية من أجل القيام بذلك.

في حال تم ردع بوتين عن القيام بمغامرات مسلحة خارج أوكرانيا، يجب أن يقتنع بأنه سيواجه القوة الكاملة للقدرات العسكرية التقليدية للناتو بقيادة الولايات المتحدة. أما بالنسبة الى القادة الأميركيين فإنهم يسلطون الضوء مراراً وتكراراً، على مخاوفهم الطاغية من حرب عالمية ثالثة، ويخاطرون بإيصال رسالة معاكسة لبوتين: في نهاية المطاف، ستتجنب الولايات المتحدة مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا في أي مكان وبأي ثمن.

وبالنظر إلى هذه المخاطر، يبدو إرسال المرتزقة السوريين إلى روسيا لاستخدامهم في تدمير أوكرانيا أمراً قليل الأهمية نسبياً. لكنه مع ذلك، يشكل عامل تذكير بأن ضعف الغرب في سوريا في مواجهة جرائم الحرب الواسعة النطاق بشكل مفصل شجع بوتين على الاستيلاء على شبه جزيرة القرم. كما هو تذكير بكيفية تعامل بوتين مع الاستجابة الضعيفة لشبه جزيرة القرم وسعي واشنطن والغرب الى تجنب الصراع بأي ثمن في سوريا، في ميزان تقدير الغزو لأوكرانيا. وعلى هذا المنوال، لا يحتاج بوتين إلى المزيد من التشجيع، وسيفعل ما يشاء مع أنصار الأسد. أخيراً، وبينما تقوم واشنطن بتسليح الأوكرانيين وتمكين الناتو، يجب ألا تضلل بوتين بأي شكل حول استعدادها لمقاتلته وتوجيه ضربة شديدة إذا لزم الأمر… لأن أي ردة فعل أقل من ذلك، قد تخاطر بتسبب واشنطن عن غير قصد بالعواقب التي يجب أن تطمح البشرية جمعاء الى تفاديها”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال