لبنان دولة مُختطفة…

مارون مارون

لا، لم يعد للكلام معنى ولا للصوت صدىً، وكأننا نصرخ في وجه أصنام من حجر، حيث لا جواب ولا خبر.

العلّة ليست بحاجة إلى تشخيص ولا إلى علماء تنجيم، وهي تكمن في أن “الدويلة” نجحت في نقل لبنان، على مختلف المستويات، إلى محور “الممانعة” وأجلسته برضى السلطة، في أحضان إيران، وبين أنياب النظام السوري، أي في المحور المعادي للدول الأوروبية المانحة وللولايات المتحدة ولدول الخليج العربي… بمعنى آخر أن لبنان بات “غزة” المشرق بعد أن كان “درة” الشرق.

للأسف، فإن لبنان وبفعل فاعل، انضم إلى لائحة الدول المختطفة في العالم، وهي معروفة ولا داعي لتعدادها، نذكر منها إيران على سبيل المثال، بحيث استولت على السلطة منظّمة غير حكومية، ووضعت شعبها بمواجهة دول العالم أجمع. وتَظَهّر فشل إدارة الدولة من خلال تدنّي دخل الفرد، اعتماد البطاقات التموينية، اصطفاف طوابير من البشر على الأفران وعلى المواد المدعومة، تردٍّ على مستوى التعليم والاستشفاء، انعدام السياحة، فقدان الخدمات، ازدهار القمع، انتشار ثقافة كم الأفواه، تصفية أصحاب العقول النيّرة والأصوات الجريئة، بالإضافة إلى انهيار سعر العملة المحلّية مقابل العملات الأجنبية، هذا عدا عن ارتفاع نسبة البطالة التي تفوق نسبة اليد العاملة، وغيرها من علامات التدحرج إلى قعر مصاف الدول المتخلّفة.

المشهد ذاته يتكرر في لبنان، مع إضافة بعض النقاط، أهمها سرقة أموال المودعين من المصارف، بحيث لم نشهد عبر التاريخ أن سلطة حاكمة قد قامت بمثل هذه الأفعال الشائنة، لأن منطق قيام الدول يُختصر بتأمين نظام راقٍ ومتطور، وتحسين ظروف عيش الإنسان، وليس نشر التعاسة والبؤس واليأس والقهر بين البشر، كما هو حاصل في لبنان.

النقطة الثانية التي تفوّق بها لبنان على إيران أيضاً، هي تشريع التهريب عبر حدوده السائبة والمستباحة، بحيث تعبرها أرتال الشاحنات المحمّلة بالبضائع المدعومة بجنى عمر اللبنانيين، في وضح النهار، إلى نظام فتك بلبنان واحتله ونكّل بشعبه واعتقل شبابه، وعلى الرغم من ذلك تقوم “الدويلة” ليس فقط بحرمان اللبنانيين من المواد الغذائية ومن المحروقات لنقلها إليه، إنما تُرسل أيضاً شباناً في ربيع العمر، برحلة موت مجانية للدفاع عن نظام متأرجح، لا بل ساقط، بفعل إرادة شعبه الذي بات نصفه إما تحت التراب أو خارج حدود الوطن.

باختصار، هذه هي حال وطن الأرز وشعبه، فإما أن يعود لبنان إلى حاضنة الأسرة الدولية، وبالتالي إلى سابق عهده من تطور وازدهار واستقرار، وإما نموذج غزة وطهران والشام في الانتظار.

وحتى ذلك الحين، السلطة تدفع اللبناني المسكين إلى أن يسد جوعه من خلال تمضية أيامه في الحقول الخضراء قبل أن يجتاحها اليباس، كما اجتاح مئات المؤسسات وآلاف العمال والموظفين الذين باتوا بلا عمل وبلا دخل.

نعم، الحقول الخضراء أصبحت ملجأ الشعب اللبناني العاجز عن دخول المتاجر التي باتت أشبه بصالات عرض للمجوهرات، المتفرجون فيها كثر والقادرون قلة… فمتى تُدرك تماسيح السلطة أن الجوع كافر ويتمدد باتجاه عائلات وأطفال وشيوخ ونساء وبيوت كثيرة؟

إلا أن السؤال الذي يُطرح هو: هل للسلطة قلب ينبض؟ قطعاً لا، لأن قلبها من صوّان، وضميرها إن حضر، فهو من حجر… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً