الكبتاغون في ميزان العلاقات

عالية منصور

يقال إن حافظ الأسد كان يتمتع بذكاء حاد لطالما استخدمه للحفاظ على حكمه. وكان الحفاظ على الحكم هو الغاية التي تبرر الوسيلة. أثناء الحرب اللبنانية استخدم الأسد الأب، من ضمن أساليب كثيرة استخدمها، موضوع الرهائن ليجبر العالم على التواصل والتفاوض معه. كانت مجموعات محسوبة عليه تختطف صحافيين أجانب يعملون في لبنان، لتعود دولهم وذووهم ويفاوضونه على إطلاق سراحهم، وتبدأ حينها لعبة المساومات التي كان يتقنها الأسد.

ويذكر البعض الاتصال الشهير، الذي أجراه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان يوماً بحافظ الأسد، ليشكره على الجهود التي بذلها لإطلاق سراح رهائن أميركيين في لبنان، ولتهنئته بإعادة انتخابه رئيساً لسوريا.

ولم يكن موضوع المساومات محصوراً بالرهائن، بل كان كل شيء قابلاً للمساومة، لأنه طالما وجد أمامه من يقبل أن يلعب لعبته هذه، فكانت قضايا الإرهاب التي كان النظام يقف وراءها ومن ثم يقف وراء وقفها، وكانت قضايا كقضيتي تسليم عبدالله أوجلان وكارلوس، وأمور كثيرة مشابهة.

بعد أربعين عاماً، يبدو أن الابن يحاول إتقان اللعبة ذاتها. وكانت فشلت محاولاته مع الإدارة الأميركية السابقة بخصوص تحرير الرهينة الأميركي أوستن تايس الموجود في سوريا، وأغلب المعلومات تقول إنه عند النظام، ولكن الثمن الذي طلبه بشار كان باهظاً جداً، إذ طالب بخروج القوات الأميركية من سوريا مقابل التعاون، ما أدى إلى فشل المفاوضات، وفق ما كشف الأميركي نفسه في وقت لاحق.

إلا أن قضايا الخطف والرهائن ليست الوسيلة الوحيدة التي يساوم عليها الأسد الابن. فسابقاً وجد من يساومه على تلبية معظم طلباته مقابل وقف عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي كان يقوم بها في لبنان، وإرسال الإرهابيين إلى العراق. واليوم يبدو أنه وجد أمراً جديداً ليساوم عليه وهو تهريب المخدرات وإغراق الدول العربية بها.

قبل عام عثرت السلطات المصرية على 4 أطنان من الحشيش معبأة في علب حليب أطفال تعود لشركة يملكها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد. الشحنة كانت أتية من سوريا، ومن المفترض أنها متوجهة إلى ليبيا. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف مخدرات منتجة في سوريا في أحد موانئ المنطقة. ففي دبي، صادر المحققون في كانون الثاني من العام الماضي حمولات من أقراص الأمفيتامين. كذلك كشفت السلطات السعودية شحنتين تعادلان 45 مليون حبة معبأة في علب المتّة، آتية من سوريا وتعود ملكيتها لشركة يملكها أحد أفراد عائلة الأسد. والأمر نفسه في اليونان، حيث تم ضبط عشرات الأطنان من الحبوب المخدرة كانت تعود ملكيتها لأشخاص مقربين من النظام السوري مثل شقيق رأس النظام ماهر.

وعندما أعلنت السلطات الإيطالية في تموز الماضي، مصادرة كمية من مادة “الأمفيتامين” تبلغ 14 طناً، قالت إن الكمية أنتجها “داعش” في سوريا، وتحدثت عن “أكبر عملية مصادرة أمفيتامين على المستوى العالمي”. واعتبر بيان صادر عن الشرطة الإيطالية، “أن إنتاج الكبتاغون تركز بادئ الأمر في لبنان، وأن داعش يبيعه لتمويل أنشطته”. إلا أن تحقيقاً نشرته مجلة “درشبيغل” الألمانية استبعد أن يكون “داعش” هو من أنتج هذه الكمية من المخدرات، نظراً إلى أن عناصره ينشطون في مناطق صحراوية بين سوريا والعراق، بعيداً عن المدن، ولا يملكون المواد الأولية القادرة على تصنيع هذه الكمية من المخدرات. وكشفت الصحيفة أن شبكة من أقارب “بشار الأسد هي التي أنتجت المخدرات المصادرة وأرسلتها إلى إيطاليا”، وذكرت الصحيفة أن المسؤول المباشر عن الشبكة هو سامر كمال الأسد، أحد أقارب رئيس النظام السوري.

اعوام واطنان من تجارة المخدرات حتى باتت مصدر تمويل اساسي للنظام في ظل العقوبات المفروضة عليه. الا أن الوقت يبدو قد حان للمساومة على هذه الملف، وان كانت شراكة النظام مع “حزب الله” بموضوع مصانع المخدرات في سوريا وتصدير الانتاج لا تخفى على عاقل، الا انه على ما يبدو يريد البعض مؤخرا حصر التهمة بـ”حزب الله” ومن يدري قد يكون التعاون لوقف تصدير هذه المخدرات إلى الدول العربية بابا لاعادة التطبيع مع الأسد، من دون أن يعني ذلك بحال من الاحوال أن “حزب الله” ومن خلفه ايران ليسوا شركاء بهذه المسرحية الهزلية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً