مسار تأجيل الانتخابات بدأ

محمد شمس الدين

تترافق الانتخابات في أي بلد عادة مع حملات دعائية وتجمعات انتخابية، ولبنان مثل بقية الدول في زمن الانتخابات، صور المرشحين تنتشر على الطرق، احتفالات انتخابية، إطلالات إعلامية للمرشحين عبر الاذاعة أو التلفزيون، مقالات تمجد المرشح وتعدد مزاياه، منشورات على مواقع التواصل Sponsored للمرشحين، ولكن اليوم على الرغم من أن البلد قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات، تبدو الحملات الانتخابية هزيلة مقارنة بالفترة نفسها في الانتخابات السابقة، فما السبب؟

علم موقع “لبنان الكبير” أن المرشحين من مختلف الأطياف السياسية يتريثون في صرف الأموال على الحملات الانتخابية والدعائية، بنصيحة من مرجعياتهم الحزبية والسياسية، وهم يدفعون مبالغ قليلة جداً للعمل الإعلامي وبأدنى حد ممكن، كإثبات وجود لا أكثر. وعلى الرغم من ظهور بعض المرشحين في مناسبات مختلفة وخطاباتهم فيها كانت ذات بعد انتخابي، إلا أن هذه المناسبات موجودة قبل الموسم الانتخابي وخلاله وبعده، وهؤلاء المرشحون هم أساساً نواب ومسؤولون حزبيون، يتواجدون دائماً في هذه المناسبات، وخطاباتهم الانتخابية فيها، لا تعني بالضرورة أن الانتخابات قائمة، بل ان فكرة عدم إجرائها أصبحت تطغى على فكرة إجرائها.

أما عن سبب تراجع التفاؤل بإجراء الانتخابات، فوفقاً لجوجلة سياسية لموقع “لبنان الكبير”، أصبح الكل على شبه يقين أن الاجراءات القضائية بحق مصرف لبنان وحاكمه والمصارف التجارية، هي مسرحية تهدف الى ضرب الاستحقاق الانتخابي، وأن التبعات على القطاع المالي ستكون مدمرة، وستضرب المواطن اللبناني في الصميم اقتصادياً واجتماعياً. وتساءلت الأطياف السياسية، عن جدوى هذه الملاحقات القضائية اليوم، فهي ستتسبب برفع سعر صرف الدولار بشكل كبير، وسيكون البلد أمام أزمة انقطاع مواد عدة، وتحديداً المحروقات، التي هي ركن أساسي في الاستحقاق الانتخابي، إن كان لجهة النقل، أو تغذية المراكز الانتخابية بالكهرباء. وهذه الملاحقات حتى لو كانت محقة، وذات أسس قانونية، كان يمكن تأجيلها إلى ما بعد إجراء الانتخابات، فلن يتغير شيئ على الساحة اللبنانية من الآن حتى ذلك الوقت، ولن يهرب الذين تتم ملاحقتهم اليوم، والمودعون لن يحصلوا على أموالهم خلال شهر وشهرين في حال صدرت الأحكام القضائية بذلك الآن.

لذا، اعتبرت أوساط سياسية ومدنية أن كل ما يجري اليوم هدفه ضرب الاستحقاق الانتخابي، والذين يسعون الى ذلك يستعملون لعبة الشعبوية لكبح جماح أي معترض، وهم يستغلون وجع الناس التي خسرت ودائعها وجنى عمرها، فالاعتراض على ملاحقة “الأشرار” رياض سلامة والمصارف سيسبب نقمة عند المواطنين ضد المعترض، لذلك غالبية القوى السياسية تتجنب خوض معركة علنية، ولكن إذا أدت هذه الاجراءات إلى تأجيل الانتخابات، فستكون هناك معركة شرسة ضد من تسبب بتأجيلها، وقد تجد قوى سياسية تنزل إلى الشارع لأول مرة، كون الاستحقاق يحظى باهتمام دولي وإقليمي غير مسبوق.

ووفقاً لمسؤول سياسي، فان أكبر دلالة على تأجيل الانتخابات هو عزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن خوضها، فبعد تيار “المستقبل” يعتبر الرئيس ميقاتي الثاني في الساحة السنية، حتى لو بفارق بعيد نوعاً ما، لذلك رأت أطياف سياسية عدة أن عزوفه بالتزامن مع الحرب القضائية – السياسية على القطاع المالي، يعني أن الانتخابات مؤجلة حتماً، حتى القوى السياسية التي تجهد لاجراء الانتخابات في موعدها، تراجع منسوب التفاؤل لديها بشكل كبير.

من جهة أخرى، بعض القوى السياسية التي تظهر أنها تريد إجراء الانتخابات تخاف منها اليوم، فعلى عكس أهوائها أظهرت الدراسات والاحصاءات أنها لن تكسب مقاعد جديدة، بل على العكس ستخسر بعض المقاعد، بسبب عزوف تيار “المستقبل” عن خوض الانتخابات، وهي لم تستطع إيجاد بديل يعطيها رافعة للحواصل التي كانت تعتمد على الحلف الانتخابي مع “المستقبل” فيها.

يعيش لبنان انقساماً بين رأيين في ما يخص الانتخابات، بعيداً عن مشاركة المكون السني الأول: الرأي الأول يتساءل عن جدوى الانتخابات في ظل دراسات تشير إلى شبه عدم تغير في الخارطة السياسية، وتحديداً من جهة التوازن بين المحورين المشتبكين في البلد. والرأي الثاني يقول انه ما دام ليس هناك تغيير يذكر، ولا اختلال للتوازنات المحلية والاقليمية، فلمَ لا تجري الانتخابات؟

يبدو أن أصحاب الرأي الأول كشفوا عن كل أوراقهم التعطيلية، والمسار نحو التأجيل قد بدأ، ولكن ماذا سيقول المجتمع الدولي؟ وما مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟ وهل يسلم لبنان من ردة فعل دولية في حال التأجيل؟ وماذا عن الاستحقاقات الدستورية المقبلة؟

شارك المقال