الهزات الاقليمية… ارتدادات على الجبهة الجنوبية

هيام طوق
هيام طوق

لطالما أكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا دعم عائلة الأمم المتحدة للبنان عبر ٢٨ وكالة الى جانب قوات حفظ السلام في الجنوب. ولعل الزيارة “التضامنية” التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خير دليل على ذلك مع العلم أنه وضع تقريراً عن الأوضاع اللبنانية شكّل مادة نقاش وتشاور في جلسة مغلقة لمجلس الأمن عُقدت منذ أيام استمع فيها المجلس الى كل من وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا، وفرونتسكا التي حضت على “التقيد الكامل بقرار مجلس الأمن 1701 في جميع أحكامه”، لافتة الى “هشاشة الهدوء النسبي بين لبنان وإسرائيل”. كما شجعت الدول الأعضاء في المجلس، على مواصلة تقديم دعمها للجيش اللبناني ولمؤسسات أمن الدولة كافة.

وإذا كان غوتيريش شدد خلال زيارته بيروت على ضرورة “تفادي تكرار أي شكل من أشكال النزاع التي شهدها لبنان في السابق وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة الى الشعب، وينبغي أن نحرص على تطبيق جميع قرارات مجلس أمن الأمم المتحدة”، فإن كلام فرونتسكا عن “هشاشة الهدوء” لم يأت من فراغ ولا بد أن لديها معطيات في هذا الاطار خاصة وأننا لم نسمعها تتحدث بهذه اللهجة التحذيرية من قبل وفق ما أكدت مصادر عسكرية لموقع “لبنان الكبير”، والتي اعتبرت أن ما قاله الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله عن قدرة الحزب على صنع المسيّرات وتحويل الصواريخ الى صواريخ ذكية سبب أساس في التحذير الأممي من هشاشة الوضع. في حين رأى خبراء عسكريون أن الاعلان عن المسيّرات والصواريخ لا علاقة له بالتحذير الأممي المستجد لأن الحزب يتحدث منذ سنوات عن هذا الموضوع، أي من سنة 2017 يقول إن لديه مئة ألف صاروخ ومئة ألف مقاتل، واسرائيل عرضت صوراً لمصانع صواريخ في لبنان في مجلس الأمن ما يعني أنها أوصلت الصوت الى مراكز القرار العالمية.

وأشارت المصادر الى أنه عندما يخرج مثل هذا التحذير من مجلس الأمن فلا بد أنه مبني على معلومات من قوات “اليونيفيل” في الجنوب التي تتواصل مع الجانب الاسرائيلي ومع الجيش اللبناني، وتراقب عن كثب التحركات على الأرض. هذا التحذير يمكن ربطه بتهريب المخدرات والمسدسات الى اسرائيل، اذ أعلن الجيش الاسرائيلي منذ أيام عن توقيف خلايا كانت تهم بتنفيذ أعمال تخريبية وبتهريب أسلحة ومخدرات عبر الحدود مع لبنان وإحباط مخططاتها، لافتاً في بيان الى أن “المحور الايراني قام في السنة الأخيرة بمحاولات لتنفيذ عمليات تخريبية وأعمال تهريب أسلحة ومخدرات إلى داخل الأراضي الاسرائيلية، وتم كشف العلاقة بين تهريب المخدرات من لبنان ومحاور تهريب الأسلحة، وإحباط أعمال تهريب شملت عشرات المسدسات وعشرات الكيلوغرامات من المخدرات”. واعتبر أن “الجهات التي تقف وراء عمليات التهريب هي حزب الله وإيران”.

اضافة الى ذلك، فإن ما حصل من استهداف اسرائيل لمصنع مسيّرات في ايران التي ردت بدورها بـ 12 صاروخاً باليستياً على احدى المناطق في أربيل، واستهداف مصافي “أرامكو” في السعودية، وما يجري في اليمن من دون إسقاط التوتر الذي هو على أشده بين ايران ودول المنطقة من جهة وبين ايران واسرائيل من جهة ثانية، كلها دلائل ومعطيات تدفع الأمم المتحدة الى التقدير أن الوضع هش، وتتخوف من أن تتم ترجمة ما يجري بين ايران واسرائيل في جنوب لبنان بعمل ما على الحدود بين اسرائيل ولبنان خاصة وأن ذلك يتزامن مع الحديث عن المفاوضات في ترسيم الحدود البحرية فضلاً عن تعثر توقيع اتفاق فيينا الذي لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع في الجنوب، لكنه من العوامل التي يمكن أن تؤدي الى هذا التوتر بين لبنان واسرائيل.

ونبّهت المصادر على أن الوضع حالياً ليس أكثر خطورة أو أكثر توتراً من أي وقت سابق لأننا مررنا بمراحل توتر أكبر، لكن مما لا شك فيه أن الوضع متوتر جداً، والمؤشر على ذلك ما صدر عن مجلس الأمن من تحذير والذي يكرر الدعوة الى تطبيق القرار 1701، وهو يعرف ما هي العوائق لعدم تنفيذه ويعرف جيداً أنه يتم خرق هذا القرار من قبل اسرائيل بحراً وجواً ومن قبل “حزب الله” براً. والدولة اللبنانية لم تفعل أي شيء لتطبيق القرار 1701 سوى نشر الجيش في الجنوب، لكن السؤال هنا: كيف للجيش أن يعمل على تطبيق القرار، وكل البيانات الوزارية تتحدث عن ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”؟

ورأت المصادر أن الأمم المتحدة تقوم بكل ما يلزم تجاه لبنان، وكلما يتم التجديد للقوات الدولية، ترتفع بعض الأصوات المطالبة بعدم التجديد لها. كما أن الامين العام للأمم المتحدة كلف موفداً رسمياً يهتم بالشأن اللبناني، ويتواصل مع الأفرقاء، بتهدئة الأوضاع مع العلم أن مهمة الأمم المتحدة هي إرساء السلام. واضافة الى ذلك، هناك صندوق الدعم الدولي الذي هو تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، ودعم الجيش من قبل مؤتمر روما. اذاً، المجتمع الدولي يقوم بكل ما يمكن لكنه لن يرسل قوة عسكرية تطبق القرار 1701 بالقوة.

أما الحديث عن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في المرحلة الحالية وفي ظل التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فمستبعد جداً وغير وارد على الرغم من أن اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه ممكنة في المستقبل. وبالتالي، لا يجوز أن ننتظر موقفاً موحداً من الأمم المتحدة تجاه لبنان في منطقة فيها جيش روسي وآخر أميركي. كما أن الحرب الدائرة في أوكرانيا تجعل اهتمامات الدول في مكان آخر، ولا توجد دولة مستعدة لارسال أي عسكري الى لبنان في ظل هذه الحرب .

وشددت المصادر على أن الوضع في الجنوب شهد على مدى سنوات هبات باردة وهبات ساخنة، لكن ما هو أكيد أن المرحلة خطيرة والهدوء هش والأفق مظلم وسط كل التطورات المتسارعة في المنطقة، وما الصوت الذي ترفعه اسرائيل نحو عواصم القرار والأمم المتحدة عن الاعتداءات عليها سوى انذار بأنها لن تسكت وأن أي اعتداء تقوم به على لبنان يجب أن يكون مبرراً.

شارك المقال