الحزب والأميركيون: أعطني ناي الترسيم وغنِّ ما تريد

عاصم عبد الرحمن

إنها معركة إنجاح الحلفاء… كل الحلفاء وفي كل الدوائر، هكذا اختصر السيد حسن نصر الله برنامج عمل ماكينة “حزب الله” الإنتخابية مستهدفاً بذلك إسقاط مشروع التآمر الدولي والمحلي ضد المقاومة على وقع انشغال العالم في ميادين أخرى بعيداً عن لبنان، فهل لا تزال الانتخابات النيابية مطلباً دولياً ملحاً؟

تكاد تجمع معظم إستطلاعات الرأي على فوز محور الممانعة بأكثرية المجلس النيابي في انتخابات العام 2022 – إن تمت – وهو الهدف النهائي الذي يُصدر فيه “حزب الله” تكليفاً شرعياً من أجل تنفيذه عشية الانتخابات النيابية وككل استحقاق دستوري. وكانت دوائر القرار الحزبية قد أنهت توزيع خرائط الدعم الإقتراعي تصويتاً وتجييراً، مسوية بذلك كل الخلافات والاختلافات بين أفرقاء المحور اللدودين وهي تكتيكات صغرى لا يرتضي “حزب الله” التوقف عندها ما دامت الاستراتيجية الكبرى هي إسقاط المشروع التآمري الذي يستهدف الخط الممانع، وفي هذه الحال لا بد من مواجهة أعداء الداخل شركاء الخارج عبر اتحاد قوى 8 آذار انتخابياً مهما بلغت التباينات حدَّ المعارك الكيانية في ما بينهم.

وعلى وقع عزوف القوى والبيوتات السنية الكبيرة عن الترشح للانتخابات النيابية خاصة تيار “المستقبل” ذي التمثيل السني والوطني الأكبر، وأمام انقسامات القوى التغييرية والثورية في تحاصص المقاعد واللوائح وما تخلفه من تشتت للأصوات وتبعثرها أمام وحدة المحور الممانع انتخابياً، يبدو أن المجتمع الدولي والفريق الأميركي اللذين لطالما شددا على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية حتى قبل مواعيدها الدستورية، باتا في حلٍّ من مطلبهما التغييري على اعتبار أنه سيؤدي إلى نتيجة عكسية للهدف المراد منها ذلك أن نزع الأكثرية النيابية من يد الحزب لم يعد مشروعاً قابلاً للتنفيذ، لا بل سيعيد إليه هذه الأكثرية مضافاً إليها شرعية متجددة عبر صناديق الاقتراع مهما بلغت حجم المشاركة وطبيعة المشاركين، عندها يصبح لزاماً على المجتمع الدولي أمرين حتميين لا بد منهما:

– التعامل مع المجلس النيابي المنتخب أياً كانت وجهته السياسية كأمر واقع وهي في هذه الحال المقاومة وأخواتها.

– مقاطعة عربية ودولية للبنان على اعتباره إحدى إمارات ولاية الفقيه الإيراني ليسقط بذلك اللبنانيون في عزلة غير مسبوقة تاريخياً.

وعليه، إذا كان الهمُّ الأميركي الأكبر هو ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الإسرائيلي، فلا حاجة إذاً الى إجراء انتخابات نيابية لن تغير في موازين القوى السياسية شيئاً طالما أن مفاوضات الترسيم لا تزال متعثرة خاصة أمام محاولات تملص لبنان الرسمي من رمي كرة الرفض في وجه آموس هوكشتاين على وقع عدم تمثل “حزب الله” وحركة “أمل” في اللجنة الفنية المكلفة الرد على مقترح الوسيط الأميركي ما يعني ضمناً عدم موافقة “حزب الله” على العرض الأميركي بشكل لا لبس فيه، مع التمسك اللبناني الرسمي والذي تجسد باجتماع الرؤساء الثلاثة في بعبدا لبحث الملف بحتمية استمرار الوساطة الأميركية لإجراء مفاوضات الترسيم مع العدو.

في الموازاة، يسير ملف الاتفاق النووي الإيراني ببطء شديد إن لم نقل تم تعليق إعلانه على أثر المطالب الروسية المستجدة، وإن كانت قد ذللت في لقاء وزيرَيْ خارجية روسيا وإيران الأسبوع الماضي، وهو ما تتحدد بنتيجته في طبيعة الحال وضعية “حزب الله” السياسية في لبنان.

أمام ما تقدم يبدو واضحاً أن التفاهمات الكبرى مجمّدة ريثما تتضح صورة المتغيرات الجيوسياسية المرتقبة على مستوى العالم وما ستفرزه الحرب الروسية – الأوكرانية من وقائع سياسية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى صرف النظر عن أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها طالما أنها ستؤكد على شرعية امتلاك “حزب الله” أكثرية نيابية من دون حسم الملفين الأساسيين بالنسبة الى الأميركيين وهما النووي والترسيم، ثم إن الأميركيين لن يقدموا وقوداً دسماً لحملة “حزب الله” وحلفائه الانتخابية عبر تحقيق إنجاز الترسيم والتسويات والإنجازات والصفقات والتي قد تحمل على أجنحتها انتخابات رئاسية بنكهة إيرانية على اعتبار أن إنجازاً ما سيحمل توقيع العهد ليس أقلها انتخاب جبران باسيل أو ما شابه رئيساً للجمهورية.

باختصار يمكن القول ان حال الأميركيين و”حزب الله” هو التالي: أعطني ناي الترسيم وغنِّ ما تريد.

وفي السياق، يجزم مصدر عسكري في وزارة الدفاع عبر “لبنان الكبير” بعدم إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل، معتبراً أن “الجيش اللبناني حتى الساعة لم يقم بأي استعدادات لوجيستية توحي بقربها كما درجت العادة قبيل الاستحقاقات الدستورية”.

وعلى المقلب الآخر هناك فريق لبناني كبير لا يزال يراهن على عودة عربية – خليجية وعلى وجه الخصوص سعودية، تشكل رافعة سياسية تعيد تركيز ميزان القوى اللبناني في المشهد السياسي على نار التسوية المرتقبة عقب هدوء عواصف لعبة المحاور، لتستقر الصورة على ما يشبه إنجاز الاتفاق النووي وقواه الدولية والإقليمية بالإضافة إلى الحوار السعودي – الإيراني وما يحمل في طياته من ملفات شائكة هي قيد النقاش والحلحلة ذات ارتباطات عميقة بما سترسو عليه سفينة المتغيرات السياسية المرتقبة في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان.

إذاً، لا شكًّ أنَّ حال الشعب اللبناني يتأرجح وفقاً للمزاج الدولي من “حزب الله” ومن أجله فقط يُعقد العزم أو يُصرف النظر، فإن كان سينهزم ننتخب أما في حال العكس تؤجل الانتخابات، اللهم إلا إذا كانت غاية تسليم لبنان للحزب قائمة في نفس المجتمع الدولي على ضفاف صفقات مبهمة في مكان ليس بمجهول.

شارك المقال