غليان المنطقة هل يحرق لبنان؟

أنطوني جعجع

لا يختلف اثنان على أن الشرق الأوسط في حال غليان أمني واقتصادي وديبلوماسي لم يشهده منذ عقود طويلة، ولا يوفر أي دولة أو أي طرف أو أي مسار، على امتداد خارطة متشعبة تمتد من أوروبا الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومن بينها لبنان وامتداداته الاقليمية.

ويعود الأمر الى تطورين بارزين، الحرب الروسية على أوكرانيا، ومفاوضات فيينا بين ايران والعالم الغربي، وهما تطوران دفعا دول المنطقة الى تجاوز الكثير من التناقضات والتباينات، والاتجاه نحو أحلاف ومحاور ومصالحات كانت حتى الأمس القريب نوعاً من الأمور المستعصية.

ويكشف سياسي لبناني مخضرم، أن لبنان يقف اليوم أمام فرصة ثمينة يتوقف على نتائجها مصير الكيان اللبناني وهويته العربية المتنوعة، فاما يحسن توظيفها واما يسيئها على غرار ما فعل حيال فرص عدة توافرت له بعد الرابع عشر من آذار.

ويلفت في هذا السياق الى الحلحلة المفاجئة في الموقف السعودي الذي بدأ يطل برأسه بعدما لمس أن خسارة لبنان لمصلحة ايران، تشبه في الحسابات الاستراتيجة سقوط الصواريخ الحوثية على مدن المملكة ودولة الامارات.

ويتابع أن زيارة وزير الخارجية الايرانية عبد الأمير اللهيان الأخيرة الى لبنان، جاءت تطويقاً استباقياً للعودة السعودية الى لبنان والدور الأميركي المتعاظم في الحقل المعيشي من جهة وفي الحقل العسكري الشرعي، اضافة الى الضغط الذي تمارسه فرنسا مع المجتمعين الدولي والعربي للانفتاح على لبنان مجدداً، والحؤول دون تطيير الانتخابات النيابية في أيار المقبل، والى السباق المحموم بين دول النفط لخلافة النفط الروسي المحاصر من العالم الغربي.

ويرى السياسي المخضرم نفسه أن زيارة الرئيس ميشال عون لحاضرة الفاتيكان، لم تكن لممارسة فعل التوبة، بل لاضفاء ثوب الحمل على “حزب الله”، وبث الطمأنينة لدى الناخبين المسيحيين المترددين حيال التصويت للوائح “التيار الوطني الحر” التي تضم مرشحين تابعين للمقاومة الاسلامية.

ويضيف: “ان موقف عون زاد الأمور سوءاً وحوّله من رئيس للجمهورية اللبنانية الى سفير للسيد حسن نصرالله وخط الممانعة بكل رجاله وأطيافه “، مشيراً الى أن عون حاول في روما أن يأخذ أصوات المسيحيين بعدما فشل لدى دار الفتوى في انتزاع أصوات السنّة.

أضف الى ذلك أن التعثر الروسي في أوكرانيا وضع محور الممانعة في زاوية صعبة، فهو لا يستطيع الرهان على قوة عظمى تكاد تفقد توازن القوى القائم مع الجبار الأميركي، ولا يستطيع تحمل تداعيات أي انكسار قد يتعرض له الكرملين، وهو الأمر الذي يفسر ثلاثة تطورات مهمة: تطمينات وضمانات أميركية قد تبقي “الحرس الثوري” ضمن اللوائح الارهابية وتحول دون انتاج سلاح نووي، القمة التي جمعت مصر والامارات واسرائيل في شرم الشيخ، والقمة التي جمعت الأردن والامارات والعراق ومصر والسعودية في العقبة، وهما قمتان حملتا رسالتين لافتتين: الرسالة الأولى تشكيل جبهة اقتصادية عربية اسرائيلية لقطع الطريق على البديل الايراني بعد قطع الموارد الطبيعية الروسية، والثانية تشكيل جبهة عربية سنية في مواجهة النفوذ الايراني من جهة والصواريخ الحوثية التي تستهدف ثروات الخليج واستقرارها من جهة أخرى، وواكبهما تعهد أميركي بالدفاع عن أمن المنطقة ومصالحها ومعابرها المائية، اضافة الى جولة لوزير الخارجية انطوني بلينكن تهدف الى التأكيد أن ما جرى في فيينا كان ضرب البرنامج النووي الايراني وليس منح طهران صك براءة مما يجري في المنطقة.

لكن القمة الأكثر تصويباً نحو ايران، هي قمة النقب التي ضمت إسرائيل ومصر والمغرب والامارات والبحرين، على وقع عملية الخضيرة التي نفذها مسلحان من عرب اسرائيل، في ما يشكل رداً ايرانياً متزامناً على عمليات التطبيع العربي – الاسرائيلي من جهة، وتحذيراً من أي تكتلات اقليمية عسكرية في مواجهة التهديدات الايرانية في الخليج، وفي الدول المجاورة للدولة العبرية، وتحديداً من لبنان وغزة من جهة ثانية.

ويرى السياسي المخضرم، أن هذه القمم والجولات، ليست مجرد عراضات ديبلوماسية آنية، بل اعادة رسم للمنطقة وسط ظروف خانقة لا تقبل أي تهاون أو تجاهل أو إهمال.

من هنا، يبدو أي فشل في ترتيب البيت الداخلي السيادي وأي تردد في التقاط الفرص الثمينة في المفاصل الدقيقة، بمثابة هدية مجانية يتلقاها “حزب الله” وحلفاؤه من دون نقطة عرق.

فهل يذهب التيار السيادي الى صناديق الاقتراع مشتتاً ومنقسماً أم ينتفض في اللحظة الأخيرة كما انتفض ذات يوم في “الرابع عشر من آذار”؟…

شارك المقال