مواسم الانتخابات… المسؤولون يأكلون الحصرم والمواطنون يضرسون

هيام طوق
هيام طوق

هي مسرحية متنقلة من خشبة المجلس التشريعي الى خشبة المجلس التنفيذي، أبطالها شخصيات تؤدي أدواراً بطولية بحرفية عالية وببراعة نادرة وحنكة غير مسبوقة، وتتنقل من مشهد تراجيدي مبني ليس على قصص تاريخية بل على يوميات الشعب اللبناني، فيه الكثير من السوداوية والمناكفات والخلافات، الى مشهد كوميدي بعروض ليست مرحة بل سمجة، وطبعاً لا تهدف من خلالها الى إدخال البهجة الى النفوس أو إضحاك من يسمعهم بل الضحك عليهم وعلى عقولهم، وعلى كل من يصدق أدوارهم المسرحية!.

إجتماع حكومي من هنا وآخر برلماني من هناك، والنتيجة بالنسبة الى الناس الذين ترقوا في مستوى معيشتهم من درجة الفقر الى الفقر المدقع: صفر بأحسن الاحوال، لأنه بكل بساطة من يمثلّون على الشعب يعيشون في عالمهم المسرحي البعيد كل البعد عن الواقع وعن الحقائق، يعني “ما في حدا لا تندهي ما في حدا”… “الرعيان بوادي والقطعان بوادي”.

“المواسم الانتخابية” مثمرة، وستقطف محصولها طبقة حاكمة ومتحكمة، تأكل الحصرم بينما الناس يضرسون ويتقبلون كل أنواع الحموضة والمرارة، ويبتلعونها رغماً عنهم لأن المسؤولين يتلهون بالمناكفات والنكايات والتجاذبات والمحاصصات، غير مبالين بوضع خطة إنقاذية سريعة تفرمل مسار الجوع الذي يدق الأبواب بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار من المواد الغذائية الى الفواتير الاستشفائية والدوائية، الى فواتير المولدات الكهربائية والخدماتية وأسعار المحروقات الخيالية وصولاً الى القضاء على آخر نفس.

والمشهد الأكثر سريالية أن المسؤولين سيسمحون لأنفسهم بعطلة طويلة الى ما بعد بعد 15 أيار المقبل، وسيقدمون استقالاتهم من مهامهم في متابعة الشؤون الحياتية والمعيشية للناس لأن البلد دخل في مدار الانتخابات النيابية، والأقطاب السياسيون في معظمهم سينتقلون الى مناطقهم لادارة العملية الانتخابية والاشراف على التحضيرات النهائية، ليبقى على الساحة السياسية الفريق الذي يعمل على الملاحقات والاستدعاءات القضائية.

واقع الحال المأسوي، دفع بالرئيس نجيب ميقاتي الذي اتخذ شعاراً لحكومته “معاً للانقاذ” الى دق جرس الانذار، ولوّح بالاستقالة امتعاضاً من مناكفات القوى السياسية التي لم تتوصل الى اتخاذ أي خطوة اصلاحية، وما بات مسلماً به أن الحكومة دخلت مرحلة تصريف الأعمال مع العلم أن التهديد بالاستقالة لم يترك أي صدى لأن وزارة الداخلية والبلديات هي المعنية بالاشراف على الانتخابات.

إذاً المؤشرات تدل على أن الأمور ليست على ما يرام، والتباينات والانقسامات حول الملفات الجوهرية، تشير الى أن الحكومة لن تتخذ أي اجراء اصلاحي أو إنقاذي في المهلة المتبقية لها قبل 15 أيار، لتبقى الهواجس لدى الناس كثيرة وتساؤلاتهم تعبّر عن مخاوفهم من الفترة الفاصلة عن الانتخابات: من سيحمي الفقراء من جشع التجار وطمعهم في هذه المرحلة التي يتوقع خلالها ارتفاع الأسعار الى مستويات قياسية؟ وهل الحكومة التي لم تتمكن من ضبط الغلاء ووضع حد للمحتكرين والقيام بأي خطوة انقاذية خلال 7 أشهر يمكن أن تلعب دورها في هذه الفترة الوجيزة من مهامها؟ وهل تلويح الرئيس ميقاتي بالاستقالة تهرب من تحمل المسؤولية بعدما استدرك أن حكومته لم تحقق الانقاذ المنشود؟ وهل أصبحت الحكومة فعلياً حكومة تصريف أعمال خاصة وأن البعض يشبهها بالعربة التي يجرها حصانان كلّ في اتجاه؟

مصدر مقرب من رئيس الحكومة لفت في تصريح لـ “لبنان الكبير” الى أن “الرئيس ميقاتي وضع الجميع أمام مسؤولياتهم في هذه المرحلة حيث تسعى الحكومة قدر المستطاع الى أن تنجز شيئاً للتخفيف من وطأة الأزمة على الناس. وليس مقبولاً إطلاق عناوين غير مجدية حالياً لغايات معينة، بل على الجميع الانكباب على الشؤون الحياتية والمعيشية وعلى إنجاز الملفات المفصلية”.

وشدد المصدر على أن “الفريق الحكومي لا يزال يقوم بمهامه قدر المستطاع على مستوى الملفات المعيشية علماً أن الاستطاعة محدودة جداً في ظل ظروف مالية محدودة، اضافة الى عدم منح لبنان أي مساعدة من قبل الدول المانحة الى حين انتهاء التفاوض مع صندوق النفد”، مؤكداً أن “الحكومة لم تدخل مرحلة تصريف الأعمال كما يقال في الاعلام، وهي تعمل وفق صلاحياتها الكاملة، ولا تزال تأخذ القرارات وما جرى في الجلسة الأخيرة خير دليل”.

وقال: “لو لم تأخذ الحكومة بعض الاجراءات لكان تضاعف الاحتكار، ورأينا عدم انضباطية بشكل شبه كامل. وهي تحاول لجم الفلتان قدر المستطاع على الرغم من الترهل في كل مفاصل الدولة. والجميع يتابع الجولات الميدانية للوزراء المعنيين، ومحاضر الضبط التي تسطر بحق المخالفين، وإقفال بعض المؤسسات، ولولا هذه الاجراءات لكانت الأمور انزلقت الى درك سيء جداً في هذه المرحلة الصعبة”.

من جهته، أشار الكاتب الصحافي إيلي فواز الى أن “البلد دخل في الفلك الانتخابي، وكل المسؤولين والمعنيين بالشأن العام سينكبّون على معاركهم الانتخابية، والناس يدفعون باهظاً، ثمن تأجيل الاجراءات الحياتية الملحة الى ما بعد 15 أيار، ومن يدري الى متى يمكن ضبط الأمور والقدرة على التحمل؟”.

ورأى أن “البلد منذ العام 2019 متروك ومحكوم بشريعة الغاب، والحكومة لم تضع أي تصور حتى الآن لحل المشكلات اليومية والمعيشية التي يعاني منها الناس. وأكثر من ذلك، يبشروننا بأن سعر الخبز سيرتفع لأن الحكومة لم تجد مخرجاً بعد لاستيراد القمح. وكل الملفات تسير على الخطى نفسها”، مؤكداً أن “تخوف الناس في محله في هذه المرحلة الفاصلة عن الانتخابات، وفي ظل كل المناكفات والكيديات والصراعات وتضارب المصالح بين المسؤولين الذين لا يلتفتون الى هموم الناس والى الأزمات التي تحاصرهم من كل الجهات، والى الغلاء الجنوني الذي يشكل هاجسهم اليومي، وفقدان الأدوية من الصيدليات. الناس موجوعة، والمأساة كبيرة، والشعور بالاحباط وبعدم القدرة على التغيير أو القيام بأي شيئ، يدفع الجميع الى الاستسلام للأمر الواقع الذي بات خطيراً جداً”.

واعتبر أن “الحكومة لم تتحول الى حكومة تصريف أعمال في هذه الفترة بل منذ تشكيلها لأنها أتت لتصرف الأعمال، وتكون الجهة الرسمية التي تفاوض صندوق النقد، لكن على الصعيد الحياتي لم تقدم أي حلول، ولا يزال الوضع من سيئ الى أسوأ في حين أن المسؤولين مشغولون بالتحالفات وتأمين الحواصل والمقاعد النيابية”، مشيراً الى أن “الناس في فم الأسد، وكل شيئ مجمّد الى ما بعد الانتخابات”.

شارك المقال