الحريري يجمّد اعتذاره… ومحاولة أخيرة من بري

رواند بو ضرغم

في بلد يعيش الانهيار منتظراً الارتطام الكبير، لا مكان لمعادلة من يربح ومن يخسر، فبعد أن انهارت المؤسسات والقطاعات وانفجر المرفأ الأكثر حيوية على شط المتوسط وطارت أموال المودعين وثار الناس على السياسيين وبات رفع الدعم العشوائي على مسافة أيام… لا يمكن لطرف سياسي أن يتذرع بالتغيرات الاقليمية لإعلان انتصار محوره، ولا يستطيع طرف أن يأخذ من اعتذارٍ إثباتَ غلبة فريق على آخر، فالجميع في قارب الغرق وأزمات البلاد أمواجها عاتية، وساعتئذ يكون أكبر الخاسرين هو العهد برأسه الجمهوري وتياره السياسي.

محق فريق رئيس الجمهورية عندما يقول إنه لا يمكن أن يبقى التكليف في جيب المكلف طويلاً من غير تأليف في ظل الظروف الكارثية والأزمات الحالية، ولكن ما لا يحق له هو أن يضع رئيس الجمهورية ميشال عون توقيعه رهينة لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري صهر العهد ورئيس تياره النائب جبران باسيل، فهكذا يثبت أن قرار الجمهورية ليس بيد رئيسها، ويُعد إضعافاً لموقع الرئاسة وتنكيلاً بالدستور، ولا يحق له أيضاً أن يأخذ ما له وما لغيره من حصص وزارية تحصيناً لحلم باسيل الرئاسي. ووفق المعلومات، الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري باتا على يقين بأن الرئيس ميشال عون لن يوقع أي مرسوم تأليف مذيلاً باسم سعد الحريري، وعليه تبقى المحاولة الأخيرة باتجاه “حزب الله” ووضعه أمام مسؤولياته بالمضي نحو إلزامية تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، لأن وقوفه على الحياد بين عون والحريري ينقلب ضده ويضعه في خانة المستفيد من غياب الحكومة وانهيار المؤسسات والفوضى الراهنة. وهنا تسأل مصادر سياسية: “هل فعلاً لا يستطيع أن يؤثر “حزب الله” على حليفه التيار الوطني الحر؟”، لا يريد أحد أن يصدق ذلك، وعليه فإن اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري مجمّد فسحاً في المجال أمام محاولة الرئيس نبيه بري الأخيرة للتواصل مع “حزب الله” وتحديد موقفه، فنكون أمام مفترق طرق، إما تأليف حكومة على رأسها الحريري من المستقلين غير الحزبيين أو الشروع بتأليف جبهة معارضة بوجه العهد.

ففي حال اعتذار الحريري، سيتساقط الهيكل على رؤوس باقي الأطراف السياسية جميعاً، ولن يكون الحريري متضرراً بقدر باقي الفرقاء السياسيين، لا بل بفعل المظلومية التي تعرض لها، ومحاولات استضعاف السنة، وأمام التجاوزات الدستورية التي يقوم بها القصر سيكون الحريري أقوى شعبياً، وتجربة فرض الرئيس حسان دياب وإسقاطه على البيئة السنية لم تُمحَ بعد من الأذهان، أما عون وباسيل فسيكونان مسؤولين عن الجهنم المنتظر جراء رفع الدعم وانهيار الليرة اللبنانية أكثر فأكثر، وإذا اختار عون استمرار الدعم على حساب احتياطي المصرف المركزي، فسيكون متضرراً مع كل فلس يُصرف مما تبقى من أموال المودعين. هذا إذا وضعنا جنباً الإحصاءات التي أجريت وتبين تراجع التيار في كل المناطق المسيحية، وآخرها إحصاء أجراه “حزب الله” وأظهر حصول التيار على نحو 13%من أصوات المسيحيين.

عوّل باسيل على الفرنسيين بتعويمه من خلال فرضهم لقاء بينه وبين الحريري، الا أن الأخير رفض، فصعّد الفرنسي واعتبر أن الحريري شريك بالتعطيل، فاعترض خلال لقاء قصر الصنوبر على إدراجه ضمن المعطلين ومساواته بمن طعن بالمبادرة الفرنسية وأسقط عليها الشروط والمطالب والتعديلات، فماذا يمكن أن يفعل الرئيس المكلف أكثر مما فعل؟ فهو من أبدى مرونة في التأليف، وسهل في العدد ورفعها الى 24 وزيراً متماهياً مع مبادرة الرئيس بري، وإذا كان المطلوب لقاء باسيل لتتألف الحكومة، فالحريري كما بري على يقين بأن باسيل سيستغل اللقاء شعبياً ويعلنه انتصاراً سياسياً ولن يقدم على تسهيل التأليف، فما الجدوى من هكذا لقاء إذا؟!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً