شيطنة القطاع المصرفي… “شد عصب” انتخابي

محمد شمس الدين

القطاع المصرفي هو كيس الملاكمة المفضل للعديد من الحملات الانتخابية اليوم، انه قطاع التجار والشياطين الذين أكلوا حقوق المودعين! أما السياسيون فلا لوم عليهم، إنهم مساكين، ظنوا أن المصارف جمعيات خيرية لا تبغي الربح، لا شركات تجارية هدفها تحقيق أكبر قدر من الأرباح. بعض السياسيين والمرشحون منهم هم مستشارون سابقون للمصارف، يلعبون لعبة الشيطنة المطلقة، كون المودعين خسروا ودائعهم، مما تسبب بنقمة على المصارف، وهم يستغلون ذلك من أجل شد العصب انتخابياً. بالتأكيد هناك أخطاء من المصارف، ولكن هل هي الملامة الوحيدة؟ وماذا عن دور الدولة ومصرفها المركزي؟

الخبير في المالية العامة وائل قعفراني رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن لبنان يقع في حلقة مفرغة، مشيراً الى وجوب “الابتعاد عن الشعبوية وإسماع الشعب ما يحب أن يسمع. يجب تحديد الأدوار والمسؤوليات بحسب كل واقعة: المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة، أي السلطة التنفيذية والتشريعية، فالدولة لم ترشد الانفاق الرأسمالي والتشغيلي، وأقرت موازنات عامة مع أرقام عجز غير مسيطر عليها، كما أن السلطة التشريعية فشلت في دورها الرقابي لمكافحة الفساد ووضع ضبط لصرف المال العام. المسؤولية الثانية تقع على عاتق المصرف المركزي، الذي فشل في وضع سياسات لحماية المودعين وتكملة تمويل الدولة. والمسؤولية الثالثة تقع على عاتق المصارف التجارية التي طمعت بالفوائد العالية على حساب المودعين”.

أضاف قعفراني: “إن مسؤولية إدارة المخاطر للمصارف التجارية تقع على عاتق إدارة المصارف، التي كان يجب عليها تطبيق خطة لادارة المخاطر بطريقة فاعلة وعدم تركيز الخطر على عميل واحد، وهو الدولة اللبنانية، خاصة أنه كان من الواضح فشلها في إدارة الدين العام والمالية العامة. في حين أن المصرف المركزي فشل في دوره الرقابي”.

أما اليوم بعد وقوع البلد في الأزمة، فيكمن الحل وفقاً لقعفراني في “إقرار خطة اقتصادية ومالية متكاملة مع مبادرات واضحة، لنقل الوضع الحالي إلى الواقع المستهدف. يجب إقرار بعض القوانين كممكنات لتلك الخطة، مثل قانون الكابيتال كونترول. ويجب أن تلحظ الخطة توزيعاً عادلاً وهادفاً للخسائر، وإعادة هيكلة للقطاع العام والقطاع المصرفي. وبالطبع، الشفافية والمحاسبة هما من أهم الممكنات لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي والاقتصادي وجذب الاستثمارات”.

من جهته، اعتبر الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي أن “المصارف خدمت في الواقع كل مكونات الاقتصاد اللبناني، الدولة، المؤسسات، والأفراد” لافتاً الى وجوب “الاعتراف بأن الجزء الأكبر من مالكي المنازل في لبنان اليوم، ما كانوا ليتملكوها لولا القروض السكينة. والجزء الأكبر من المواطنين استطاع الترفيه عن نفسه، والسفر والسياحة مع عائلته، عبر المصارف واستعمال بطاقات الائتمان، وما كان ليستطيع ذلك، لولا توسع القطاع المصرفي في كل زاوية من لبنان، وكل بلدان العالم. ويجب عدم نسيان دور المصارف مع المؤسسات التجارية، والقروض الميسرة سواء عبر شركة كفالات أو عبر القطاع بشكل مباشر. والقطاع المصرفي سهّل على اللبنانيين حياتهم، عبر توطين رواتب القطاعين العام والخاص، واستقبال الدفعات الضريبية بكل أشكالها، كذلك القطاع ديّن الدولة اللبنانية”.

أضاف فحيلي: “لا أحد يمكنه القول إن استثمارات المصارف لدى المصرف المركزي هي ذات مخاطر عالية. كل القوانين والأعراف وأسس تقويم المخاطر تقول إن التوظيفات لدى المصرف المركزي، تحمل مخاطر متدنية جداً لدرجة صفر، التوظيفات السيادية، السندات واليوروبوندز تحمل مخاطر الدولة التي تصدر هذه الأدوات المالية، وكثير من الشعب اللبناني لا يعلم أن أول صرخة ضد الاستدانة الكبيرة للدولة كانت من قبل القطاع المصرفي في العام 2006، وتكررت في العامين 2008 و2014، وكلنا نذكر كيف تمت جرجرة رئيس مجلس إدارة بنك بيبلوس ورئيس جمعية المصارف وقتها فرانسوا باسيل الى المحاكم، لأنه توجه إلى السلطة التشريعية، وهاجمها بسبب تشريعها استدانات غير مقبولة. المصارف توقفت عن الاكتتاب بسندات اليوروبوندز، ولكنها لم تتوقف عن التوظيف لدى مصرف لبنان، وكلنا نعلم أنه في العام 2016، بدأ مصرف لبنان بسلسلة من الهندسات المالية، لتأمين الأموال التي كانت تطلبها الطبقة السياسية، من دون الأخذ في الاعتبار الهدر والفساد في الدولة، لذلك إذا أردنا تقويم أداء مصرف ما يجب أن ننظر إلى هذه الأمور كلها من أجل تقويم دقيق”.

وتابع فحيلي: “لا توجد إمكانية لأن يكون قرش واحد دخل إلى المصارف إلا ومعروف من أين أتى وإلى أين ذهب، لأن كل عملية مصرفية تخضع لمحطات عدة، البداية من إشعار يوقع عليه الزبون والمصرف، يتحول إلى الرقابة ضمن الفرع، ثم إلى نائب المدير فالمدير، وبعدها يتحول إلى التدقيق الداخلي، وإدارة المخاطر، ثم إلى التدقيق الخارجي، وكل مصرف لديه شركتا تدقيق خارجي، ثم يتم التدقيق من لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان، وقد تصل حتى إلى هيئة التحقيق الخاصة. لذلك، عندما نرى عدد المحطات التي تمر فيها أي عملية مصرفية، يمكن الاستنتاج أنه لا يمكن حصول عملية سرقة عبر المصارف، وفي الحالات النادرة التي حصلت فيها بعض الحوادث، تحملت المصارف المسؤولية ودفعت للمودعين،. ولكن في المقلب الآخر نرى الدولة تعيش وتتمادى في الإنفاق من دون أي موازنة بلا حسيب أو رقيب لمدة 15 عاماً، ومصرف لبنان لا توجد فعلياً رقابة عليه، فحاكم المصرف هو رئيس هيئة التحقيق الخاصة، رئيس لحنة الرقابة على المصارف، رئيس الهيئة المصرفية العليا، وطبعاً هو لا يمكنه مراقبة ومحاسبة نفسه، وقد أسقط التدقيق الجنائي لأنه يرفض أن يدقق أحد في دفاتره، وبالتالي المصرف المركزي بحاجة إلى إعادة هيكلة، كونه يفتقر إلى الممارسات التي تتصف بالشفافية والأداء الجيد”.

المصرف هو شركة تجارية تبغي الربح، والضوابط التي يمكن أن تلجم المصرف “الجشع” تقرها الدولة، التي من المفترض أن تحمي المواطن. اليوم في سوق عكاظ الانتخابي من السهل جداً تحميل أحد ما المسؤولية، وبما أن المودعين خسروا أموالهم فالتوجه الطبيعي لهم هو المصارف، ولكن يجب الحذر من تبرئة السياسيين الذين لم يحموا مواطنيهم من التجار، إن كانوا مصرفيين، أو أصحاب شركات ومحتكرين.

شارك المقال