العسكري في دوامة الفقر والجوع… يصارع للبقاء

راما الجراح

في السّابق، حين كنا نسمع عن فتح دورات للانضمام إلى السلك العسكري، كُنا نلاحظ لهفة الناس وإصرارهم على ضمان حياة أولادهم عبر إنخراطهم في السلك بسبب رواتبه المغرية التي لا تقل عن ألف دولار أميركي، ما عدا التثبيت والضمان للعسكري ولعائلته، حتى كان يُنظر اليه نظرة حسد. وبين ليلة وضُحاها انقلبت الموازين وأصبح راتبه يساوي ٦٠ دولاراً فقط، لا يكفيه ثمن اشتراك الكهرباء، من دون أن نذكر الانترنت، ومصروف البنزين، وقوت يومه! وهكذا تحولت حياة العسكري إلى دوامة وخدمته إلى سجن، يُصارع نفسه داخله لعله يلقى وسيله نافعة تمكنه من الهروب.

بتنا اليوم نرى العسكري في ورش البناء، وأمام بسطات الخضار، وفي فانات التوزيع، يخلع بزّته ويرتدي ملابس العمل، من دهان إلى دكنجي أو خضرجي، وحتى موزع لأدوات التنظيف… نراه يعمل بحسرة وتعب، فلم يكن في حسبان أحد أن يصبح الوضع المعيشي للعسكر متدنياً إلى ما دون كفاية نفسه وعائلته من الطعام أقله. يقول العسكري الشاب خالد لـ”لبنان الكبير”، وهو يقف على سُلّم ويقوم بحّف سقف أحد البيوت: “بهدلونا، عم حف لإدهن حتى آخد يوميتي واشتري أكل لولادي”.

لم تفرّق الأزمة الاقتصاديّة بين الرتب العسكرية، ويصف أحد الضباط في قوى الأمن الداخلي سوء الحال بقوله: “كنت أتقاضى حوالي ألفي دولار شهريّاً، أما اليوم فراتبي لا يتجاوز المئة وعشرين دولاراً بالكاد تكفي بدل النقل من المنزل إلى مراكز الخدمة ذهاباً وإياباً”.

ويضيف: “أحتاج إلى مليون ونصف المليون بدل مواصلات أي نصف راتبي، وخمسمئة ألف ليرة مصروف شخصي في العمل، من دون أن أذكر بعد مصروف منزلي وعائلتي وأولادي ومدارسهم، والتدفئة طوال فترة الشتاء. نعم هذا أكثر من راتبي بأضعاف، لذلك أعوّل اليوم على عمل آخر منفصل عن وظيفتي في السلك العسكري وإلا قريباً سنشحذ!”.

أكثر من ذلك، فقد دفعت الأزمة الاقتصادية نسبة كبيرة من العسكريين إلى بيع ممتلكاتهم، ويقول أحد هؤلاء: “اضطررت إلى بيع أساور زوجتي في بداية فصل الشتاء لتأمين المازوت، وعندما أفلسنا، لم يكن أمامي سوى بيع دراجتي النارية التي كنت أستعملها لتوفير البنزين على سيارتي التي أملكها، وأخاف اليوم أن أضطر لبيعها حتى لا يتبقى لي شيء”.

والصرخة الأكبر هي لعناصر قوى الأمن الداخلي الذين يعتبرون من الفئة المظلومة وعناصرها الأكثر تضرراً من الأزمة، ويؤكد عدد منهم ممن استطعنا التواصل معهم أن لا أحد يكترث لحالهم، وحتى الدعم المادي والمساعدات التي وعدوا بها منذ شهر كانون الثاني ٢٠٢٢، لم تصل بعد. ولا ينكر أحد العناصر وصول بعض المساعدات الغذائية كل بضعة أشهر، “ولكن الكرتونة لا تتعدى بضع معلّبات، سكّر وأرزّ، حتى أنها لا تحتوي على زيت ولو ٥ ليترات، والموجود في داخلها لا يكفي عائلة لمدّة شهر”.

ويضيف: “أما بالنسبة الى الطبابة والاستشفاء فهنا البكي، منذ حوالي ثلاث سنوات كنا نسمع جملة (نيالكم ما بتهكلوا هم المستشفيات)، وفي العام ٢٠٢٢ أصبحنا بلا تقديمات طبية تسهل دخولنا الى المستشفى وتتكفل بعملية الاستشفاء حتى أصبح العديد من المستشفيات يرفض إدخال اي عسكري بسبب الخوف من عدم قدرته على دفع المستحقات المالية المطلوبة”.

هذا فيض من غيض معاناة العسكريين في لبنان، هم الذين يدافعون عن الوطن ويبذلون الغالي والرخيص في سبيله، مقابل رواتب شبه معدومة لا تؤمن لهم أدنى متطلبات الحياة الأساسية! ألم يحن الوقت للتضحية من أجلهم هذه المرة؟

شارك المقال