ماذا يُريد باسيل من “الشمال الثانية”؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يكن يعلم الطرابلسيون بزيارة رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل إلى مدينتهم، إذْ فوجئ الآلاف من المواطنين بكلمة نُشرت لزعيم التيّار البرتقاليّ في المدينة، خلال إفطار نظمته هيئة قضاء طرابلس في التيّار وتحديداً في مطعم “الشاطر حسن”، وفق ما يقول أحد المقرّبين من التيار شمالاً لـ “لبنان الكبير”.

في الواقع، علم الكثير من الشماليين بهذه الزيارة بعد تغريدات متتالية لرئيس التيار الذي هبط بالباراشوت إلى المدينة مع قرب حلول الانتخابات النيابية يوم 15 أيّار المقبل، في وقتٍ يُواجه معركة حاسمة وقاسية في دائرة الشمال الثالثة.

وعلّق الكثير من المتابعين على هذه الزيارة وعلى مصطلح “هيئة طرابلس في التيار”، التي اعتبروا أنّها تكاد تكون غير موجودة. وفي ظلّ هذه “المعمعة” الانتخابية، نشر بعض “العونيين” صورة تُشير إلى إلقاء باسيل كلمة في طرابلس، ما دفع المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تذكيره، بكيفية تطويقه المدينة بالحرس الجمهوري عندما زارها في العام 2019، كما ذكروه بشعار الـ “هيلا هيلا هو” الذي التصق بذهنه، وأذهان المواطنين من مؤيّدين أو معارضين سواء اختلفوا أم اتفقوا على مضمونه، فضلاً عن تعرّض الهيئة التي نظمت هذا النشاط، لتهديدات مختلفة عبر المقاطع الصوتية التي تلقتها للامتناع عن إقامة هذا الإفطار.

ويلفت المقرّب من التيار إلى أنّ “خبر وجود باسيل في هذا الافطار كان سريأً ولم يكن يعلم به أحد بسبب التهديدات والغضب الذي لا يُشبه أهالي طرابلس ولا يمت إليهم بصلة وقد تطال الرئيس الذي لبّى هذه الدعوة بعيداً عن فكرة الإلغاء التي يسعى الكثيرون الى تكريسها في مجتمعنا، وهي زيارة جاءت مع محاذير أمنية”.

ولم تقتصر صدمتهم على هذه الزيارة التي تلت تصريح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وحضوره الى طرابلس للإعلان عن مرشح “القوات” إيلي خوري في المدينة فحسب، بل صدموا أيضاً بتصريحٍ قال فيه باسيل: “حاولوا كثيراً أن يُبعدونا عن طرابلس لكن لم يتمكنوا، لأنّ أهلنا في التيار هم من أبنائها وأبناء المنية والضنية، ونحن نعرف قيمة طرابلس في الشمال ولبنان، ولا نقبل أبداً أيّ مس بتاريخها أو بكرامة أهلها”.

هذه الكلمات التي سرعان ما انتشرت، أثارت سخرية الكثير من الشماليين من جهة، كما أثارت استغرابهم من جهة ثانية، إذْ يُدرك باسيل تماماً حجم كره الطرابلسيين له منذ أعوام، فهو سعى في الكثير من الظروف إلى شيطنة طرابلس، مع عمّه رئيس الجمهورية ميشال عون وفق ما يرى المتابعون، ولا ينسون وصفه لهم بأنّهم “دواعش” يحضرون لفلتان أمني جديد قرب مجلس النواب مع التهديد الذي وجهه إليهم حينها.

وفي وقتٍ تحتدم فيه المنافسة الانتخابية بشكلٍ كبير في الفترة الأخيرة، يُمكن القول انّ باسيل لا يتجرّأ حتّى هذه اللحظة على حشد طاقاته انتخابياً وسياسياً داخل هذه المدينة، وهذا ما جعله في صدام مستمرّ في الآونة الأخيرة مع حزب “القوات” الذي يُحاول بشتى الطرق تحقيق نجاح بعد الاتفاق والتعاون مع الوزير السابق أشرف ريفي في لائحة “إنقاذ وطن”، وهو ما يراه الكثير من الطرابلسيين غير بريء ولا يُعبّر عن التغيير الذي تُريد طرابلس الوصول إليه بعد ثورة 17 تشرين عام 2019، وبعد كلّ الأزمات المعيشية والاقتصادية التي حجبت نور الحياة عن هذه المدينة.

بين جعجع وباسيل

إنّ باسيل المحروم من الحظوظ الانتخابية شمالاً، لم يخض معركته في “الشمال الثانية” ولم يدفع “ألف ليرة” ليُنفقها بين أبناء هذه الدائرة، في وقتٍ تقوم لوائح أخرى بدفع أموال طائلة للمندوبين والمناصرين، وهي معركة كانت “باهتة” منذ أسابيع قليلة بشح مالي، لكنّها بدأت تحتدم منذ أيّام مع “تدفق” مالي سريع يُشير مراقبون لـ”لبنان الكبير” إلى أنّه سيتضاعف وسيُشكّل مفاجأة يوم 15 أيّار المقبل.

حتّى بعد عدم تشكيل باسيل أيّ لائحة في هذه الدائرة، وبعدما تداول متابعون للملف الانتخابي أنّه يخوض هذه المعركة عبر لائحة “الجمهورية الثالثة” التي يرأسها المرشح عن المقعد السنيّ عمر حرفوش، في ظلّ وجود مرشحين محسوبين أو مناصرين للتيار العوني وهم ثلاثة حسب المعطيات، لم يُبرّر باسيل ما اعتبره حرفوش شائعات، فهو لم يُؤكّد ولم ينف، أمّا زيارته إلى طرابلس ووفق بعض المتابعين فتأتي لإثبات وجوده، فضلاً عن رغبته في منافسة جعجع على لقب “المسيحي الأوّل أو الأقوى” وذلك مع فشل شعار “أوعا خيّك” والتزاماً بمبدأ “أنا أتكلّم، إذاً أنا موجود”، مع العلم أنّه لم يكن يتوقّع نجاح جعجع في التعاون لإدراج مرشحه خوري على لائحة في طرابلس، أي المدينة التي كانت ولا تزال متمسكة بموقفها الثابت بعد قضية استشهاد الرئيس رشيد كرامي وهي قضية وطنية ومحلّية بحتة، بعيداً من الشخصيات السياسية التي تُحاول استغلال اسم “الرشيد” في بازارها الانتخابي الذي بات مستهلكاً ورخيصاً لدرجة كبيرة.

باختصار، لن تُرحب طرابلس بتيار سياسيّ كـ”الوطني الحرّ” بمناصريه، ولن تتقبّل “الدخلاء” عليها سياسياً لغايات انتخابية حتّى بعد إحرازهم نجاحاً لا يستحقّونه في دائرة واجهت كلّ أشكال الإهمال والغبن، فباسيل الذي حارب المنطقة الاقتصادية الخاصّة بطرابلس، مرفأ المدينة، المصفاة، إضافة إلى توظيفه شخصيات تستفز الطرابلسيين وتأخذ منهم فرص عمل كانوا هم “الأحقّ” بالحصول عليها، لا يُعقل أبداً أن تدفعه نرجسيته السياسية والإدارية إلى إقحام آرائه، أفكاره وتوجهاته التي تصف طرابلس بالإرهاب بطائفية وعنصرية في الوصول إلى قلب طرابلس النابض بالثورة والحزن.

شارك المقال